الثقافية - علي القحطاني:
اعتمدت وزارة التعليم في المملكة نظام الفصول الدراسية الثلاثة قبل أربعة أعوام بهدف رفع كفاءة استثمار العام الدراسي وزيادة أيام التعلّم. ورغم ما حمله النظام من أهداف تطويرية تتماشى مع تجارب تعليمية في دول أخرى، إلا أن التطبيق كشف عن تحديات ميدانية تتعلق بضغط الجدول الدراسي، والأعباء المالية على الأسر، وارتفاع معدلات الغياب، وهو ما فتح الباب أمام نقاش واسع حول مدى ملاءمة هذا النظام للبيئة التعليمية والاجتماعية في المملكة.
التقنية وغياب المتابعة
في بداية الاستطلاع يوضح الإعلامي أحمد المغلوث لـ«الثقافية» أن الإخفاق في التعليم أو غيره من القطاعات لا يمكن اعتباره فشلًا بحد ذاته، بل هو نتيجة طبيعية لعوامل متعددة، أبرزها انشغال الطلاب بأجهزة التقنية وغياب المتابعة من المدرسة والبيت. ويقول:
«بشكل عام، لا يمكن اعتبار الإخفاق في أي مجال – ليس التعليم فحسب وإنما في مختلف القطاعات – فشلًا مطلقًا، إذ قد يحدث الفشل كنتيجة طبيعية وحتمية لوجود مغريات كثيرة ساهمت في انشغال بعض الطلبة والطالبات عن تحصيلهم، فالوقت المخصص للدراسة بات جزءا منه مختطفًا بفعل أجهزة التقنية والتواصل الاجتماعي والأجهزة اللوحية، الأمر الذي انعكس سلبًا على متابعة برامج التعليم. ومن هنا فالمشكلة ليست في نظام الفصول الدراسية الثلاثة بحد ذاته، بل في غياب المتابعة داخل المدرسة والبيت، إضافة إلى عوامل أخرى أبعدت الطلاب والطالبات عن التحصيل الحقيقي، ولا يجوز تعميم هذه العوامل على الجميع، فقد شهدنا خلال العقود الأخيرة آلاف الطلاب والطالبات من أبناء الوطن يتصدرون المراكز الأولى في الجوائز العالمية، ويحققون نجاحات لافتة في تخصصات نادرة ومتميزة، وهو ما يؤكد نجاح التعليم لا فشله».
ويضيف المغلوث: «قد تكون هناك عوائق داخلية كغياب التخطيط الجيد، وانعدام المثابرة في التحصيل، والخوف من التجربة، وعدم تحمل المسؤولية، إضافة إلى عوائق خارجية مثل بيئة التدريس غير الداعمة، أو صعوبة تحديد الأهداف، أو نقص المهارات لفهم الفشل وتجنبه.
ومن الضروري تحديد العوامل المسؤولة والعمل على معالجتها لتعزيز القدرة على تحقيق النجاح المطلوب بعيدا عن الفشل».
إرهاق بلا جدوى
وأكد الأستاذ راشد بن محمد الشعلان، المشرف التربوي السابق، في بداية حديثه لـ«الثقافية» أن نظام الفصول الدراسية الثلاثة – على الرغم من إيجابياته في إطالة مدة التعلّم – لم يحقق النواتج المرجوة، بل كشف عن جملة من السلبيات، وأشار إلى أن طلاب المرحلة الابتدائية بوجه خاص يعانون من الملل والإرهاق النفسي والجسدي، وهو ما ظهر بوضوح في الفصل الدراسي الثالث..وأضاف أن الأسر ذات الدخل المحدود تتحمل أعباء مالية متكررة بسبب احتياجات أبنائها من الكراسات والأدوات والمصروف اليومي في كل فصل دراسي، بينما تعاني المدارس من ضعف التجهيزات في الفصل الثالث، خصوصًا مع شدة الحرارة وعدم كفاءة أجهزة التكييف.
كما لفت الشعلان إلى أن الفصول الثلاثة أسهمت في ارتفاع معدلات غياب الطلاب في بدايات الفصول ونهاياتها، وهو ما يمثل هدرًا تعليميًا ويعوّدهم على التراخي والكسل. وختم بالقول: إن الوزارة تبدو وكأنها تركز على الكمّ بعدد الأيام الدراسية أكثر من الكيف وجودة المخرجات، مطالبًا بإجراء دراسة علمية تستند إلى آراء الميدان، مشيرًا إلى أن الواقع – كما ظهر في رمضان الماضي – كشف مدارس خاوية بعد أن تغلّبت الأمهات في مناكفاتهن مع الوزارة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
التحديات وضعف التحصيل
وأوضحت الدكتورة منال العيسى لـ«الثقافية»: أن من أبرز التحديات التي واجهت تطبيق نظام الفصول الدراسية الثلاثة اختلاف النظام بين الجامعات والمدارس الخاصة والحكومية، وعدم توحيد الإجازات الرسمية، إضافة إلى ضعف التحصيل العلمي الناتج عن كثرة الغياب والاعتذارات.
وبيّنت العيسى أن أسباب التراجع تعود بالأساس إلى غياب دراسة شاملة لمخرجات النظام قبل تطبيقه، الأمر الذي انعكس على ضعف نتائجه وعدم تحقيق الأهداف المرجوة منه.
جودة البيئة التعليمية
واعتبر الإعلامي سعود التويم أن نظام الفصول الدراسية الثلاثة جاء كخطوة طموحة لتحسين جودة العملية التعليمية، لكنه واجه تحديات كبيرة أثارت جدلًا واسعًا حول مدى فعاليته، وأضاف أن نجاح هذا النظام في بعض الدول المتقدمة لا يعني بالضرورة نجاحه في بيئات أخرى تختلف في ظروفها الاجتماعية والبيئية، مؤكدًا أن التعليم في كل دولة يمر بمراحل تطويرية ومراجعات مستمرة بحسب معطياتها الخاصة.
وبيّن التويم لـ«الثقافية» أن أبرز التحديات التي تواجه جودة التعليم في المملكة تتمثل في الحاجة إلى تأهيل الكوادر التعليمية، وازدحام الفصول الدراسية، والتسارع التكنولوجي في ظل ضعف البنية التقنية للمؤسسات التعليمية، إضافة إلى محدودية الاستثمار في هذا المجال، والذي يفترض أن يكون مشتركًا بين القطاعين العام والخاص، كما أشار إلى أن ضعف متابعة الأسرة ومشاركتها مع المدرسة يُعد أحد أبرز أسباب التراجع، لافتًا إلى أن هذه المسؤولية يجب أن تعود للأسرة بشكل أكبر لدعم العملية التعليمية.
تراجع في جودة المخرجات
وأشارت الدكتورة سارة الأزوري في حديثها لـ«الثقافية»: إلى أنه حين طُبّق نظام الفصول الدراسية الثلاثة بدا وكأنه إصلاح طال انتظاره، خطوة تَعِد باستثمار العام الدراسي إلى أقصى حد، غير أن الواقع سرعان ما كشف عن فجوة واسعة بين الفكرة والتنفيذ، وأضافت أن الطلاب والمعلمين وجدوا أنفسهم أمام عام ممتد ومرهق، تتزاحم فيه الاختبارات والمهام بلا استراحة كافية للتجديد، فما كان يُفترض أن يرفع مستوى التحصيل انتهى – في كثير من الأحيان – إلى تكديس معلومات سرعان ما تتبخر، وتراجع في جودة المخرجات.
وبيّنت الأزوري إلى أن الأسر والمدارس تحمّلت أعباءً إضافية، سواء في تكاليف النقل والمصروفات أو في إدارة مدرسية مشدودة إلى أنشطة واختبارات متلاحقة، مما جعل القبول المجتمعي للنظام يتراجع مع مرور الوقت، إذ شعر الجميع أن الجهد المبذول يفوق العائد المحقق، وختمت بالتأكيد على أن الحاجة اليوم باتت أكثر إلحاحًا إلى مراجعة شاملة للتقويم الدراسي، مراجعة توازن بين الزمن وجودة التعليم، وتمنح الطلاب والمعلمين فترات راحة تعيد إليهم حيويتهم، مؤكدة أن الإصلاح الحقيقي لا يتحقق بتقسيم العام إلى مزيد من الفصول، بل بتجويد المناهج وتحديث طرق التدريس، حتى يبقى للتعليم أثر عميق لا مجرد ذاكرة امتحان عابرة.
الكلفة المادية على الأسر
وأرجع الأستاذ نبيل المغامسي أسباب فشل نظام الفصول الدراسية الثلاثة في التعليم العام إلى عوامل متعددة، من أبرزها طول العام الدراسي الذي أدى إلى ملل جميع أطراف العملية التعليمية من معلمين وطلاب وأولياء أمور، إضافة إلى انتهاء المناهج قبل نهاية الفصل الدراسي وما ترتب عليه من فراغ انعكس في كثرة الغيابات، وهي ظاهرة لم تكن بهذا الحجم قبل اعتماد النظام.
وأشار المغامسي في مداخلته لـ«الثقافية» إلى أن كثرة الاختبارات خلال السنة – من ثلاثة اختبارات فصلية وثلاث نهائية – شكّلت ضغطًا نفسيًا كبيرًا على الطلاب، فضلًا عن الأعباء المضافة على الكادر التعليمي في إعداد الأسئلة والتصحيح. كما لفت إلى الكلفة المادية التي تحملتها الأسر، ولا سيما أسر الطلاب في المدارس الأهلية.
وأوضح أن العودة إلى نظام الفصلين الدراسيين أكثر استقرارًا وتوازنًا في توزيع المناهج والأنشطة، مما يقلل من الضغط على أطراف العملية التعليمية، مشيرًا إلى أن تقبّل المجتمع لهذا النظام ونجاحه السابق، إلى جانب استمرار الجامعات عليه، دليل على أفضليته مقارنة بنظام الفصول الثلاثة.
وختم المغامسي حديثه بالإشادة بوزارة التعليم لقرارها العدول عن نظام الفصول الدراسية الثلاثة، ومراجعاتها المستمرة التي تصب في مصلحة تطوير التعليم وتحسين مخرجاته.
تجربة وتحديات كبيرة
ويرى الأستاذ سعيد بن سيف السعيد في مداخلته لـ«الثقافية»: أن نظام الفصول الدراسية الثلاثة كان تجربة طموحة هدفت إلى رفع كفاءة العام الدراسي وزيادة فرص التعلّم، غير أن التطبيق كشف عن تحديات كبيرة أثّرت على جدواه. فقد أرهق النظام الطلاب والمعلمين بكثرة المهام والاختبارات، وأثقل كاهل الأسر بتكاليف إضافية، فيما تراجعت جودة المخرجات التعليمية مع ارتفاع نسب الغياب وضعف الحافز، ويشير سعيد السعيد إلى أن هذه التجربة، رغم ما حملته من بعض الإيجابيات، تحتاج إلى مراجعة شاملة تعيد التوازن بين زمن الدراسة وجودة التعليم بما يحقق المصلحة العامة.
فوضى وتأخر في العملية التعليمية
وبيّنت ابتسام الجبرين في مداخلتها لـ«الثقافية»:أن نظام الفصول الدراسية الثلاثة عند تطبيقه كشف عن تحديات كبيرة، حيث زادت أعباء المعلمين بدلًا من أن تُخفف، وأرهق الطلاب وأسرهم بسبب غياب فترات الراحة الكافية وتكاليف إضافية، إضافة إلى تأثير الحرارة وضعف التجهيزات المدرسية في الفصل الثالث. وأوضحت أن الجانب الإداري لم يكن مهيأً بشكل كافٍ، فظهرت فوضى في الجداول وتأخرا في توزيع الكتب. وأكدت أن غياب النتائج الأكاديمية الملموسة يبرهن على أن التجربة لم تراعِ الواقع العملي ولم تُدعَم بالبنية التحتية اللازمة، ما جعلها عبئًا على الميدان التعليمي.
الضغط النفسي والبدني
وأوضحت رؤى الياسي إلى أن طول ساعات الدوام الدراسي أرهق الطلاب وأضعف تركيزهم، فيما تسببت كثرة الاختبارات وتقاربها في زيادة الضغط النفسي والبدني عليهم. وأضافت أن توقيت الاختبارات بعد الأعياد لم يمنح الطلاب فرصة كافية للاستعداد، كما أن الدوام خلال فترة الصيام شكّل عبئًا إضافيًا، خصوصًا على صغار السن الذين يتأثرون سريعًا بالإرهاق.
التجارب التعليمية الكبرى
وبيّن التربوي عبدالرحمن الشهري أن التجارب التعليمية الكبرى تمر بطبيعتها بمراحل متعددة، وفي كل مرحلة تظهر تحديات تستوجب المعالجة والتطوير مشيرا إلى أن تجربة الفصول الدراسية الثلاثة أسهمت في رفع كفاءة استثمار العام الدراسي وتوسيع فرص التعلّم للطلبة، رغم ما واجهته من عقبات طبيعية لا تخلو منها أي تجربة جديدة.
وأكد الشهري من خلال حديثه لـ«الثقافية»أن إعادة النظر في بعض التفاصيل لا تعني سلبية التجربة، بل تعكس حرص الوزارة على البحث عن النموذج الأمثل الذي يوازن بين جودة المخرجات التعليمية واحتياجات الميدان، وأضاف أن الهدف الأسمى من مثل هذه التجارب هو رفع مستوى تعلّم الطلاب، وتعزيز كفاءة النظام المدرسي، وتطوير بيئة تعليمية محفّزة، وهو ما تسعى إليه الوزارة من خلال آليات التقويم المستمر والتطوير المرحلي، بما يجعل التطوير مسارًا متدرجًا ومتناميًا في الميدان التعليمي.
تعزيز البيئة التعليمية
وأوضح الدكتور عبداللطيف الحمادي في كلمته لـ«الثقافية»: إلى أن وزارة التعليم اعتمدت عام 2021م نظام الفصول الدراسية الثلاثة لمدة أربع سنوات، وهو نظام مطبق في عدد من الدول، ويقوم على زيادة الساعات الدراسية ورفع عدد أيام التعلّم إلى 180 يومًا في السنة، غير أن نتائج الدراسة الشاملة التي شارك فيها مختصون وتربويون أظهرت أن جودة التعليم لا ترتبط بعدد الفصول بقدر ما تعتمد على خطط التعليم، وتطوير المناهج، وتأهيل المعلمين والقيادات، وتعزيز البيئة التعليمية المحفزة.
وبيّن الحمادي أن أبرز التحديات التي واجهت تطبيق النظام تمثلت في الضغط الأكاديمي الناتج عن زيادة المقررات والاختبارات وكثرة التقييمات، وعدم تهيئة البيئة التعليمية داخل المدارس لتكون محفزة وجاذبة، إضافة إلى الأعباء المادية التي أثقلت الأسر نتيجة زيادة الطلبات المدرسية. كما أشار إلى أن الإجازات المطولة والمتكررة أسهمت في فتور الطلاب وكثرة الغياب، فضلًا عن غياب التوازن في توزيع المناهج والمهارات الدراسية، وعدم توافق النظام مع جداول الاختبارات الدولية وبرامج التبادل الطلابي والمدارس.
التدقيق على المعلمين والمعلمات
واعتبر عمر بن علي المطيري أن نظام الفصول الدراسية الثلاثة كان مملًا على الطلاب والطالبات وأولياء أمورهم، ولم يكن ذا صلة حقيقية بالمجال التربوي أو بالتحصيل العلمي، بل ربما ترك أثرًا سلبيًا على نفسيات المعلمين والمعلمات.
وختم المطيري بقوله: إن مشكلة الفصول الثلاثة انتهت، لكن ظهرت أزمة أخرى لا تقل تعقيدًا، وهي إلزام المعلمين والمعلمات بالبقاء في المدرسة حتى نهاية الدوام، حتى وإن انتهت حصصهم مبكرًا، مبينًا أن المتخصص التربوي يدرك أن المعلم يحتاج وقتًا خارج المدرسة للتحضير والاستعداد لحصص ودروس اليوم التالي.