الثقافية - علي بن سعد القحطاني:
في عالم الرواية التاريخية، يقدّم الروائي أحمد السبيت أعمالاً تمزج بين متعة السرد ووهج الذاكرة، لتعيد للتاريخ بريقه وللحكاية روحها. ففي رواية «أوراق هَجَر» أعاد تشكيل ملامح الأحساء القديمة بسورها وأزقتها وبيوتها الطينية، وفي رواية «دمعة غرناطة» استحضر شخصيات أندلسية مثل لسان الدين بن الخطيب وابن زمرك، وصاغها بلغة جزلة وأسلوب سردي متجدد جعل من نصوصه وثائق إبداعية تحفظ الذاكرة وتفتح أفقاً رحباً أمام القارئ.
وفي لقائه مع «الثقافية»، يتحدث أحمد السبيت عن اختياراته لأسماء أبطاله، وعن دور المكان بوصفه شخصية فاعلة داخل النص، كما يتوقف عند العلاقة بين السرد الفني والتاريخ، مؤكداً أن الرواية بالنسبة له مغامرة تمزج بين صدق الوقائع ورحابة الخيال، ضمن رؤية إبداعية يؤمن بدورها في ضوء التحولات الثقافية ورؤية المملكة 2030.
الدلالة والرمز
كيف جاء اختيارك لاسم البطل «هَجَر»، وهل كان وليد اللحظة أم نتيجة بحث معمّق في الدلالة والرمز؟
كنت أبحث عن اسم لشخصية البطل تكون رمزاً للمكان واسم فارق في الدلالة فلم يتأخر في الحضور في ذهني دون أن أتردد في إدراجه.
رواية «أوراق هجر»
كيف استحضرت ملامح الأحساء القديمة بسورها وأزقتها وبيوتها الطينية في رواية هَجَر، رغم شحّ المصادر التاريخية عن تلك الحقبة؟
كان عليّ فعل ذلك فتاريخ الأحساء آنذاك ضيق الرؤية شحيح المصادر، والروائي لابد أن يعمل خياله بخلاف المؤرخ ولكن بواقعية تنقلك إلى ذاك الزمن وكأنها حقيقة تراها بأم عينيك، فالسور والأزقة والبيوت الطينية والنخيل والمياه العذبة تعتبر لوحة فنية يرسمها الروائي بخياله كما أنها على الحقيقة من التاريخ وإن كان عنواناً فقط.
شخصية البطل
هل تمثل شخصية البطل في هَجَر سيرة حقيقية لشخص عاش في ذلك الزمن، أم أنها توليفة متخيلة من تجارب متفرقة؟
شخصية البطل لا تمثل شخصية حقيقية ولكن أحداثها قد تكون أو صادفت أحدا ما في ذاك الزمن، فالتجربة التي خاضها هجر قد يكون خاضها الكثير حتى في وقتنا أيضاً. بمعنى أنها قد تكون في ذاك الوقت وفي هذا الوقت أيضاً.
الأمكنة
هل ترى أن الأمكنة في رواياتك كانت إطارًا يحيط بالأحداث فقط، أم أنها اكتسبت حضورًا فاعلًا ورمزية جعلتها جزءًا من الشخصيات كما في «أوراق هَجَر «و» دمعة غرناطة»؟
صحيح، الأماكن في الروايتين لها حضور بارز ومتداخل في الأحداث وكأنها شخصيات مؤثرة في الصراع الذي تتقدم به الروايتان نحو العقدة، وعوالم في زمن ما يتعرف عليها القارئ عبر نافذة الرواية.
المؤرخ الأدبي
ما الذي دفعك لاختيار التاريخ بوابة لإبداعك الروائي؟ وكيف ترى علاقتك بدمج السرد الفني بالذاكرة التاريخية؟ وهل تضع نفسك في خانة الروائي أم المؤرخ الذي يكتب بلغة الأدب؟
التاريخ عندي منذ زمن مادة ممتعة استأنس بالقراءة فيه وأتعرف من خلاله على شخصيات ودول من قرون سحيقة كان لها دور مهم في الحضارات مرت وخلّفت إرثاً نستضيء به في مستقبلنا، فمن ليس له ماض ليس له حاضر ومستقبل!
ربما أكون روائياً بسيطاً فلم أطلق على نفسي هذا اللقب لأني أحتاج لوقت ونتاج كبير كي أكون كذلك، ولست مؤرخاً فالمؤرخ لا بد أن يكون دون خيال كي يرصد الأحداث كما هي، ولكن في الروايتين نعم أنا روائي ولست مؤرخاً ولكنّي قريب منه.
شخصية لسان الدين الخطيب
في «دمعة غرناطة»، كيف تعاملت روائيًا مع شخصية لسان الدين بن الخطيب، بما تحمله من ثراء شعري وفكري وفلسفي وطبي؟
سؤال مهم يجب مراعاته من قبل الروائي وهو التغلب على الشخصية في الحكاية عندما تكون الشخصية بمواصفات لسان الدين بن الخطيب، فهنا تكمن قوة الروائي واختزاله للغة وثقافته التاريخية والأدبية واستخدام الخيال فيها بحيث يكون بينهما خيط رفيع لا يجب قطعه وإلا أصبحت الرواية بحثا تاريخيا.
ابن زمرك والنباهي
في دمعة غرناطة، ما الطريقة التي تعاملت بها مع شخصيتي ابن زمرك والنباهي، ومنحتهما حضورًا أوسع رغم أن التاريخ لم يورد عنهما سوى ذكر مقتضب؟
وهنا يكمن دور الروائي في خلق الأحداث الكبيرة بخيال ممتع وشيّق من خبر بسيط ولكن بواقعية كما أسلفت وجعل المساحة الضيقة فضاءات واسعة يستمتع القارئ في تتبعها وقراءتها.
الرواية التاريخية
قدّمت رواياتك التاريخية بلغة رصينة وأساليب سرد متجددة جعلتها أقرب إلى وثائق إبداعية تحفظ الذاكرة وتمنح الحكاية التاريخية بريقها من جديد.. ما الرسالة التي تسعى لإيصالها من خلال هذا المسار الإبداعي؟
القراءة الجادّة دائماً لست من ينصح بها لوحدي بل الكبار دائماً يعوّلون عليها في تقدم الكتابة الإبداعية.
ونحن نعيش -ولله الحمد- في نعمة عظيمة فرؤية سيدي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان (2030) محورها الثقافة والأدب والنهوض بهما إلى العالمية لمعرفتهم التامة بدور الأدب في الحياة، وها نحن نعيش ذلك من خلال التشجيع والدعم الكبير عبر ازدهار الأدب بكل فئاته والرواية التاريخية بدأت تخطو خطوات وثّابة نحو مستقبل مشرق وضاء.
** **
@ali_s_alq