الثقافية - كتب:
في مفترق التحوّلات الكبرى، حيث تلتقي التقنية بالسياسات التعليمية، ويتداخل السؤال الإنساني مع التقدّم الرقمي، تبدأ الحكاية. حكايةٌ تنبثق من تقاطعات الحاضر بالمستقبل، ومن وعي عميق بما يمرّ به التعليم من تحولات، تتجاوز الشكل وتعبُر إلى الجوهر.
في هذا الأفق، تكتب د. أماني العقالي خبير في سياسات الذكاء الاصطناعي والتنمية المستدامة في التعليم رؤيتها المستقبلية في كتابها تحت عنوان «سياسات الذكاء الاصطناعي في التعليم: رؤية مستقبلية نحو تنمية مستدامة»، الصادر عن دار كاغد للنشر والتوزيع -2025م، كرحلة فكرية تتدفق بسلاسة، تنسجها المؤلفة من رؤية تحليلية، وتأمل في الحاضر، واستشراف لما ينتظر التعليم في المستقبل القريب.
تنطلق المؤلفة من التأصيل لسياسات الذكاء الاصطناعي داخل المنظومة التعليمية، وتبني عليه تحليلاً للسياسات، بما يجعل التعليم قادرًا على مواكبة العصر دون أن يفقد جوهره الإنساني.
ومع تقدّم الرحلة في هذا الكتاب، يبرز الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة، ذلك الهدف العالمي الذي يدعو إلى «ضمان التعليم الجيد المنصف والشامل للجميع وتعزيز فرص التعلّم مدى الحياة للجميع»، كمرتكز لا يمكن تجاوزه في أي تفكير في مستقبل التعليم، تقف المؤلفة عند هذا الهدف بإدراك وتفصيل علمي لافت، وتأتي أهمية هذا الكتاب في سياق معرفي ما زالت فيه الأدبيات العلمية حول سياسات الذكاء الاصطناعي في التعليم والهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة محدودة، بما يفتح أفقًا رحبًا للباحثين لإنتاج معرفي جديد يسد الفجوة ويُثري هذا الحقل بالدراسات.
كما تنتقل المؤلفة في كتابها إلى تقديم التجارب والخبرات الدولية، فتستعرض نماذج من أنظمة تعليمية رائدة وظّفت الذكاء الاصطناعي ضمن سياساتها التعليمية، ونجحت في تحويل هذه التقنية من فكرة مستقبلية إلى واقعٍ في التعليم.
ومن آفاق التجارب والخبرات العالمية، تنتقل المؤلفة إلى المشهد السعودي، حيث تبرز سياسات الذكاء الاصطناعي في سياق رؤية السعودية 2030، من خلال برنامج «تنمية القدرات البشرية» لبناء رحلة تعليمية متكاملة، وضمان المواءمة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل، كذلك برنامج «التحوّل الوطني» لتعزيز قيم العدالة والشفافية، وتنمية الاقتصاد الرقمي.
وفي هذا السياق، تفتح المؤلفة مساحة لتحليل السياسات التعليمية في المملكة العربية السعودية، وتكشف عن الممكنات التي تجعل من الذكاء الاصطناعي شريكًا في تطوير التعليم.
ولأن كل رؤية تحمل في نهايتها اقتراحًا، تأتي خاتمة الكتاب بمجموعة من التوصيات التطويرية، وتضع خارطة طريق لمنظومة تعليمية ذكية، تُراعي التوازن بين التقنية والقيَم، وتستثمر في مستقبل التعليم بما يتواءم مع متطلبات سوق العمل.
وما بين المفهوم، والتجربة، والواقع، والرؤية، يُصاغ هذا الكتاب كدعوة علمية لمَن يسعى إلى تعليم يُلهم ويرتقي.
إنه تعليم يسير مع التقنية، ويستثمرها في بناء إنسان أكثر فهمًا، واستعدادًا لحياة تتكامل فيها المهارة مع القيَم، ويتناغم فيها القرار مع الوعي.
ومن بين صفحات هذا الكتاب، يخرج سؤال كبير: «كيف نبني تعليمًا يُصمَّم بذكاء، ويُوجَّه برؤية، ويستجيب لتحولات العصر دون أن يتخلّى عن جوهره وقيَمه؟»
وفي الإجابة، تبدأ رحلة جديدة.