الثقافية - علي بن سعد القحطاني:
في مشهد النشر السعودي الذي يشهد حراكاً متسارعاً وتنافساً محموماً، تمكّنت دار رشم من أن تكون إحدى العلامات الثقافية اللافتة التي حجزت لنفسها موقعاً مؤثراً خلال سنوات قليلة. وإيماناً برسالتها في صناعة الكتاب وإثراء المشهد الأدبي والفكري، رسمت الدار ملامح مسيرتها بخطى واثقة تجمع بين الاحترافية والهوية المحلية.
وفي هذا اللقاء الخاص لـ«الثقافية»، يقدّم الأستاذ صالح الحماد مؤسس دار «رشم» تجربته ورؤيته لقرّاء الصحيفة، متناولاً بدايات الدار وتحدياتها، واستراتيجيتها في صناعة الكتاب، ورؤيتها لمستقبل النشر في المملكة، إضافة إلى حضورها في معارض الكتب المحلية والدولية، وتطلعاتها القادمة.
وتسعى «دار رشم» منذ انطلاقتها عام 2019م إلى أن تكون نافذة الأدب السعودي على العالم، وجاءت مبادرتها الطموحة ترجمة 25 كتابا سعوديا لتجسد هذا التوجه. المبادرة لا تهدف فقط إلى إيصال النصوص إلى قارئ جديد، بل إلى وضع الأدب السعودي في موقعه الطبيعي على الخريطة الثقافية الدولية.
البدايات
. كيف تمكنت «دار رشم» من ترسيخ حضورها كإحدى أبرز دور النشر السعودية خلال فترة وجيزة لا تتجاوز ست سنوات؟
منذ اليوم الأول لتأسيس “دار رشم” في عام 2019م كانت لدينا رؤية واضحة وهي ألا نكون مجرد رقم جديد في عالم النشر، بل أن نكون إضافة حقيقية للمشهد الثقافي. خلال ست سنوات، استطعنا بفضل الله ثم بفضل استراتيجية عمل دقيقة أن نحقق حضوراً لافتاً. لقد ركزنا على تنويع إصداراتنا لتشمل الأدب والفكر والدراسات مع التركيز على الأدب السعودي الزاخر بالتفرد والثراء ، مع التزام صارم بمعايير الجودة في كل خطوة، بدءاً من اختيار المخطوطة وانتهاءً بالإخراج الفني. كما آمنا بأن دورنا يتجاوز طباعة الكتب، فحرصنا على احتضان المواهب الشابة التي أثرت الساحة بأصواتها الجديدة، وشاركنا بفاعلية في المشهد الثقافي عبر المعارض والفعاليات.
إن فوزنا بجوائز عالمية مرموقة مثل “الجائزة العالمية للرواية العربية” و « جائزة القلم الذهبي» لم يكن صدفة، بل هو تتويج طبيعي لهذا النهج الذي جعل من اسم “رشم” علامة موثوقة لدى القارئ والكاتب على حد سواء.
تجويد المحتوى
ما الخطوات التحريرية التي تعتمدها «دار رشم» لضمان جودة أعمالها، ولماذا قد تستغرق عملية النشر ما يقارب ستة أشهر أو أكثر بحسب طبيعة العمل؟
“في “دار رشم”، نؤمن بأن الكتاب الجيد يستحق الوقت والجهد. عمليتنا التحريرية ليست مجرد تدقيق لغوي، بل هي رحلة متكاملة نخوضها مع الكاتب لتقديم أفضل نسخة ممكنة من عمله. تبدأ هذه الرحلة بتقييم دقيق للمخطوطة من قبل لجنة قراءة متخصصة، ثم تنتقل إلى مرحلة التحرير والمراجعة التي نضمن فيها اتساق المحتوى وجودته الفكرية. بعد ذلك، يأتي دور التصميم والإخراج الفني الذي نوليه أهمية قصوى لتقديم منتج ثقافي يليق بالقارئ. هذه المراحل، التي تتضمن حواراً مستمراً مع المؤلف ومراجعات متعددة، هي سبب امتداد عملية النشر أحياناً لستة أشهر أو أكثر. نحن لا نستعجل الجودة، بل نصنعها بعناية وصبر، لأننا نعتبر كل كتاب نصدره مسؤولية ثقافية وأدبية.”
الجوائز والشراكات العالمية
- كيف أسهمت الجوائز في مضاعفة مبيعات «دار رشم» بنسبة كبيرة، وفي استقطاب كتّاب كبار وإتاحة فرص ترجمة وشراكات محلية ودولية؟
“الجوائز بالنسبة لنا لم تكن يوماً غاية، بل كانت نتيجة طبيعية لعملنا الدؤوب ومحفزاً قوياً للنمو. على الصعيد التجاري، منحتنا الجوائز مصداقية كبيرة ضاعفت من مبيعاتنا، حيث أصبح القارئ يثق في اختياراتنا. أما على الصعيد الثقافي، فقد جعلت “دار رشم” وجهة جاذبة لكبار الكتّاب والمواهب الواعدة الذين يبحثون عن منصة تقدر أعمالهم وتدفع بها نحو التميز. الأهم من ذلك، أن هذه الجوائز فتحت لنا أبواباً عالمية واسعة، فزادت فرص ترجمة أعمالنا إلى لغات أخرى، وسهّلت بناء شراكات دولية، ومكنتنا من إطلاق مبادرات طموحة مثل “ترجمة 25 كتاباً سعودياً”. باختصار، كانت الجوائز بمثابة نافذة أطل منها الأدب السعودي على العالم، ورافعة عززت من علامتنا الثقافية.”
الكتب الرقمية
مع أن الكتب الرقمية لا تتجاوز 15 % من المبيعات، إلا أنكم تستثمرون في منصات مثل أمازون، مع تأكيدكم على مكانة الكتاب الورقي؛ كيف ترون مستقبل النشر الرقمي مقارنة بالورقي في العالم العربي؟
في “دار رشم” نتبنى استراتيجية متوازنة تجمع بين الأصالة والمعاصرة. نرى أن الكتاب الورقي سيظل هو الأصل، فهو يحمل قيمة حسية ووجدانية لا يمكن تعويضها، ولذلك نواصل الاستثمار في إنتاج كتب ورقية عالية الجودة. في الوقت نفسه، ندرك أن المستقبل يتجه نحو الرقمنة، ولذلك نستثمر في منصات رقمية لنصل إلى شرائح أوسع من القراء حول العالم، خاصة في المناطق التي يصعب وصول الكتاب المطبوع إليها. نحن لا نرى أن أحدهما يلغي الآخر، بل هما شريكان متكاملان في رحلة نشر المعرفة. هدفنا هو توفير خيارات متعددة تناسب جميع الأذواق وتضمن وصول المحتوى الذي ننتجه إلى أكبر عدد ممكن من القراء.”
ترجمة الأدب السعودي
إلى أي مدى يمكن لمبادرة ترجمة 25 كتابًا سعوديًا أن تُحدث نقلة نوعية في وصول الأدب السعودي إلى القارئ العالمي وتعزيز حضوره في المشهد الثقافي الدولي؟
“مبادرة ترجمة 25 كتاباً سعودياً هي أكثر من مجرد مشروع ترجمة، إنها استثمار استراتيجي في القوة الناعمة للمملكة. نؤمن بأن هذه المبادرة ستُحدث نقلة نوعية حقيقية للأدب السعودي، فهي ستكسر حاجز اللغة وتقدم ثقافتنا وتجاربنا الإنسانية للعالم بصورة أصيلة ومباشرة، مما يساهم في بناء جسور من التفاهم الثقافي. كما ستضع هذه الخطوة الأدب السعودي بقوة على الخريطة العالمية، وتفتح الأبواب أمام كتّابنا للمشاركة في المحافل الدولية. نهدف من خلال هذه المبادرة إلى خلق زخم مستدام يلفت انتباه دور النشر الأجنبية والنقاد العالميين إلى ثراء الأدب السعودي، لتكون هذه المبادرة الشرارة الأولى لحركة ترجمة نشطة ومستمرة تليق بما لدينا من إبداع.”
** **
@ali_s_alq