بين الفينة والأخرى أبحث عن لقاءات سمو سيدي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -وفقه الله- المنشورة في وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة، لأطالعها وأقرأ في سطورها عبقرية قائد التغيير، وحامل لواء السلام وهو يتنقل في أحاديثه الملهمة للأجيال عن المستقبل المشرق للشرق الأوسط، وهمته العالية التي لا تعرف الكلل ولا الملل نحو إحلال السلام في المشهد العالمي، وأجد فيه مثالاً رائعاً في القيادة والقوة والحكمة، والعزم والحزم، والعمل ليل نهار من أجل أبناء شعبه ووطنه، وبناء مستقبلهم الزاهر الزاخر. وكان يتحدث -حفظه الله- في أحد لقاءاته قائلاً:
(أنا كقائد يجب أن أكون متفائلاً كل يوم، لا أستطيع أن أكون متشائماً، إذا كنت متشائماً فيجب أن أترك الكرسي وأعمل في مكان آخر).
استوقفتني هذه العبارة، وبدأت أعيد اللقاء، وأتأملها وأحلل في مدلولاتها، وأبعادها الإدارية والعملية والمجتمعية، وما وصلت إليه دولتنا من مكانة سياسية مرموقة، وحراك تنموي غير مسبوق على كافة المستويات، وامتثال والتزام من جميع المسؤولين في الدولة خاصةً من يعملون مع سموّه الكريم في المجالس السيادية، واللجان العليا، مما انعكس على جودة مخرجاتها، وقوة قراراتها، وعموم نفعها للبلاد والعباد، فأيقنت بمدى تأثير القيادة المتفائلة في خلق ثقافة التفاؤل وتعزيزه بين فرق العمل لتحقيق الأهداف وبلوغ مراكز النجاح، وأن التفاؤل ليس مجرد تمرين للشعور بالرضا، بل هو ضرورة استراتيجية، وقوة قيادية عظمى.
ثم ذهبت لأقرأ في مقولات بعض القادة والمفكرين ورجال الإدارة التنظيمية والتنفيذية وحديثهم عن القادة المتفائلين الذين يتبنون دورهم كقدوة، وانعكاس ذلك التفاؤل بشكل إيجابي على سلوك ومهارات موظفيهم والعاملين معهم وتحت إدارتهم ليشعلوا فتيل إلهامهم، ويرتقون بطموحهم، ويتبنّون تحفيزهم، للحفاظ على النظرة الإيجابية والشعور بالراحة في مواجهة التغيرات وظروف العمل، فيتحول ذلك الشعور إلى ثقافة تنظيمية يقودها التفاؤل نحو الرضا الوظيفي، والأداء المتميز، والعطاء الذي لا يتوقف.
يقول برناردو إنتشيف: القيادة المتفائلة والثقافة التنظيمية «تعزز الإبداع والابتكار والشعور بالهدف بين الفرق». والقادة المتفائلون لهم دورٌ مؤثر في جذب المواهب ذات العقلية المتفائلة والاحتفاظ بها، مما يُسهم في بناء ثقافة التفاؤل، ويقول كلاريسا فيتوني: «في أمريكا اللاتينية، كان القادة المتفائلون بطبيعتهم مصدر جذب للمواهب، وحسّنوا الإيرادات، وقادوا الابتكار بشكل غير مسبوق». وتقول تريسي ماكميلان: الذين يُشعّون بالأمل والإيجابية يجذبون آخرين يفعلون الشيء نفسه، مما يُسهم في نهاية المطاف في بناء بيئة عمل مؤسسية تُعزز المشاركة والابتكار والاستدامة».
بل تشير كل الدراسات والأبحاث والاستطلاعات ذات الصلة بأن القادة المتفائلين دائماً يخلقون مساحةً للابتكار والتغيير، مما يمنع مؤسساتهم وكياناتهم من الركود وفقدان أهميتها وفعاليتها، بل ويلهمون الآخرين، ويتسمون بالشمولية، ويدركون قيمة الجميع، ويشجعون على الابتكار، وينظرون إلى الفرص حيث لا يرى الآخرون سوى التحديات والعقبات.
وإن كان قد قال -رعاه الله-: «معي شعب جبار وعظيم»، فنحن نقول: هذا وليّ عهدنا؛ أمّة في رجل، وهمّة تعتلي القمم، وعزيمة تسُرّ الناظرين، ولا غرابة في وجود هذه الصفات القيادية الجميلة والرائعة في شخصية ولي عهدنا وعرّاب رؤيتنا - حفظه الله - فقد تخرج من مدرسة القيادة الملكية الكاملة بجميع مهاراتها وصفاتها، مدرسة سلمان بن عبدالعزيز – أدام الله عزّه - الذي لم يكن يوماً أميراً أو ملكاً فحسب، بل كان إدارياً محنكاً، وشيخاً فطناً، ورجلاً ذكياً، وإنساناً كريماً، ورجلاً في المواقف، وعرّاباً في الإمارة، ومدرسة في الحياة.
فاللهم وفقه وسدده، واحرسه بعينك التي لا تنام، وأدم على بلادنا نعمة الأمن والأمان، والرخاء والاستقرار، ووفقنا جميعاً لحُسن التفاؤل بربنا أولاً، ثم العمل بكل عزيمة وإخلاص على بناء وطننا، وحماية مقدساته ومقدراته، وتحقيق تطلعات ولاة أمره، والله من وراء القصد والهادي إلى سواء السبيل.
** **
- د. نايف الغامدي