إن العجيب معناه، وهو المدهش أو المحير أو المبهر، وللغريب معناه، وهو الغامض من القول أو الفعل، والتراث الحكائي العربي شديد الغِنى بالعجيب والغريب، ومستودع عميق لنماذج لا تُحصى، مثل قصص الجن والطير والحيوان والسحر وغيرها، ومثل هذا القص هو جزء أصيل من الثقافة العربية، وشكل بارزٌ من أشكالها الكثيرة المتنوعة والملونة، كما جاء هذا الشكل في عجائب قصص القرآن، مثل طير النبي إبراهيم عليه السلام، وعصا النبي موسى عليه السلام، وهدهد النبي سليمان عليه السلام، ومائدة النبي عيسى عليه السلام، وسفينة النبي نوح عليه السلام، وحمار العُزير، ونوم أهل الكهف.
ولأن السرد ديوان العرب، فقد حَمَل على متن تاريخه العريض قناطير مقنطرة من ذهب العجيب والغريب، مثل حكايات ألف ليلة وليلة، وقصة حي بن يقظان لابن طفيل، ورسالة الغفران للمعري، ورسالة التوابع والزوابع لابن شهيد، ومن قبلها مَرْوِيات الكهان، وخرافات العرّافات، أيضاً الأساطير التي شاعت في أخبار العرب، ثم جاءت مرحلة السّير العربية الشعبية بعوالمها الجغرافية المنفتحة على اللا محدود، مستحضرة الخارق وصانعة من الخيال العذب ما زاوج بين المألوف والعجيب، سيرٌ أغلبها إن لم تكن كُلها عن شخصيات وأحداث لها أصل تاريخي، إلا أنها جاءتنا مشحونة بشحنات مُكثّفة من سحر العجيب والغريب، مثل السيرة الهلالية، وسيرة عنترة العبسي، وسيرة الأميرة ذات الهمة، وسيرة سيف بن ذي يزن.
هل للعجيب أو الغريب أسباب في عصرنا؟ لا أرى ذلك، ولا يُطلب منهما أسباب؛ لأن العملية الإبداعية مذاهب شتى، ولكلٌّ في مذهبه شؤون وفنون، وتجريب وتنويع، وهذا حق المبدع في أن يختار الحقل الذي يُحسن حرثه وزراعته، وعلينا انتقاء ما جاد من حصاده.
في العصر الحديث وعلى المستوى المحلي، برزت أعمال جعلت من العجيب أو الغريب منسوباً يرتفع وينخفض استجابة لحركة السرد واتجاهاته، على مساحة واقعية المكان وعجائبية الأحداث في صيغ حديثة، مُستثمرة أحداث العصر، وأخرى مركبة من العجيب والواقعي، فصارت مفخرة من مفاخر الأدب الحديث، مثل أساطير الجهيمان، ورواية الجنية لغازي القصيبي، ورواية شرق الوادي لتركي الحمد، ورواية وحشة النهار لخالد اليوسف، ورواية الطريدة لا تزال في الحقل لمحمد المزيني، ومجموعة النور الأسود القصصية لناصر الجاسم.
أما على المستوى العربي فبرزت أعمال مثل رواية ليالي ألف ليلة لنجيب محفوظ، ورواية عرس الزين للطيب صالح، ورواية نزيف الحجر لإبراهيم الكوني، ورواية فقهاء الظلام لسليم بركات.
كل هذه السرديات بمراحلها وظروفها واختلافاتها وطرائقها، لها طبيعة مشتركة في القص، ألا هو الخروج عن قوانين الطبيعة والمعقول والواقع، وهذا من مهامها الرئيسة، ومن علاماتها الفريدة، والتي من خلالها تُختبر قوة المخيلة لمن ثابروا في حقل العجيب أو الغريب، وأخلصوا العمل في تقديم أعمال قصصية أو روائية أو مسرحية مغزولة فصولها من خيوط العجيب أو الغريب.
** **
- ماجد سليمان
majedsuleimann@gmail.com