بعد مشاجرةٍ طويلة بين رجلٍ وزوجته، زاد فيها العتاب وتوالت الصرخات وتعالت الأصوات، وأصبح الخصامُ سيدَ الموقف، وقد قررا الانفصال.. افترق الزوجان وتركا المنزل، بعد أن أغلقا الباب وكلٌّ ذهب في طريقه.
ولكن كان هناك عنصر آخر يسكن معهما في المنزل، ورباط خفي يرقب الأحداث، إنه «الحب» الذي روى ظمأ الأيام وترعرع في بستان حياتهما، كان ينظر متأملاً ويسكب الدمع لما يرى ويحدث، وبيده وردة حمراء كادت تجف وبدَا يَبَاسُهَا، وشرعت أوراقها في السقوط منذُ فترة، لم ترقّ لها الزوجة، عندما أتى بها الزوج في يومٍ ما لتقديمها إليها؛ سعيًا منه لحلِّ المشكلة ونبذ الخلاف وانتهاء الهجر..
لكن ما إن طرق باب الغرفة حتى خرجت إليه زوجته غاضبةً من تأخره وقلقها عليه..
وعندما بدأ الشجار ألقى بها الزوج على أرضية الغرفة وداستها زوجته بقدميها، والحب يذرف الدمع ويسترق السمع، وحمل الوردة بيده خوفًا من ذبولها وقلقًا من عاقبة ما يجري..
سعى الحب جاهدًا لتهدئتهما والصلح بينهما، لكن سرعان ما اتسعت رقعة الخلاف بينهما وبدت سطوة الكبرياء الآثم تزاحمُ الحب، وظل الحب يحاول عبثًا دفعها من بعيد، وشرع يذكرهما بأيام الزواج السعيدة ورحلات السفر الممتعة، وفرحتهما بالحمل الأول.. ولكن هيهات..
ففي كل مرة يستنشق الحب عبير البدايات ويراهما هادئين، تشب عاصفة الشقاق من جديد، وتتغير الحال، حتى وصلا إلى طريقٍ مسدود وأغلقا الباب، والحب في المنزل يعاني برودةً قاسية وحيدًا..
جلس الحب يفكر «كيف لي أن أعيش في هذا المنزل ولا يوجد به أحد، كيف سأطلق الحنان والدفء في أرجائه، وأسعد الكبير والصغير...؟
كيف لي أن أنمو وأُزهر وأعيش.. كيف أتمكن من الفرح وأسوقه للناس، وقد ماتت وردتي من الخوف، وأنا محاصر بين هذه الجدران».
ظل الحب لأيام عدة يفكر كيف سيعود الدفء والوئام إلى هذا المنزل المليء بالحُزن، وكيف يستطيع تجاوز هذا المكان إلى مكان آخر يعيش فيه ويستقر به..
وفي تلك الأثناء، إذ بالباب يُفتح وتدخل فيه أسرة جديدة، تتكون من رجل وامرأة وطفل صغير حديث المشي، فابتسم الحب وبث أريجه وعطره في المكان، وشرع يراقبهم في حنان ولطف، ينظر مبتسمًا إلى الزوج وهو يقول لزوجته:
تفضلي يا حبيبتي، هذا منزلنا الجديد، (... رَبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلًا مُّبَارَكًا وَأَنتَ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ).. والزوجة تبتسم وتحمل طفلها وتقترب من زوجها وتهمس له في أذنه: زوجي العزيز.. أحبُّك.
وأثناء حديثها، رأت وردةً ملقاةً على الأرض، فأخذتها وقالت إن هذه الوردة لا بد أن تكون سقطت ممن سكن هذا المنزل قبلنا، ثم وضعتها جانبًا، وإذ بزوجها يقدم لها باقةً رائعةً من الورد الأصفر والأحمر والأبيض، فابتسمت وقالت:
الله.. الله.. كم هي جميلة، لم أتوقع أن تكون بداية وجودنا في هذا البيت ورديةً بهذه الروعة.. إنها باقة رائعة، كم أنا سعيدة.
احمرت خدود الحب من الفرح، وعاش سعيدًا جدًّا، فقد أصبح لديه عائلة جديدة تعيش معه، ولم يعد وحيدًا كما كان يعتقد، وجلس كعادته يبث السعادة وينشر الأُلفة والمودة في أرجاء المنزل.
** **
- أمل الغامدي