في عالم تتسارع فيه التحولات الاقتصادية والتقنية، لم يعد التعليم مجرد خدمة تقدمها الدولة، بل أصبح حجر الزاوية في بناء الاقتصاد المعرفي. ريال واحد يُنفق على التعليم اليوم، قد يصنع مخرجات تُغيّر مستقبل جيلٍ بأكمله. الاستثمار في التعليم ليس فقط مسؤولية، بل هو قرار وطني يعكس رؤية واعية لمستقبل أكثر ازدهارًا واستقرارًا.
اقتصاديات التعليم تعنى بقياس الأثر التنموي لكل ريال يُخصص للتعليم، من حيث العوائد الاجتماعية والاقتصادية. وتشير منظمة التعاون الاقتصادي (OECD) إلى أن كل سنة تعليمية إضافية ترفع دخل الفرد بنحو 10 %. وفي المملكة العربية السعودية، بلغ الإنفاق الحكومي على التعليم في ميزانية 2024 أكثر من 195 مليار، أي ما يُعادل 15,6 % من إجمالي المصروفات العامة، مما يعكس أولوية الدولة لهذا القطاع الحيوي. وضمن خطة 2025، تم إعلان وزارة التعليم عن 166 مشروعًا تعليميًا جديدًا بتكلفة تفوق 4 مليارات، بهدف تعزيز البنية التحتية وتحقيق العدالة التعليمية في مختلف المناطق.
حتى تتحقق أقصى استفادة من هذا الاستثمار الضخم، من المهم إعادة توجيه الموارد إلى البرامج ذات الأثر العالي، مثل التخصصات المستقبلية، والتعليم المهني، والتدريب المستمر. كذلك، تمثل الشراكات مع القطاع الخاص فرصة لتعزيز الكفاءة وتحقيق الربط المباشر بين التعليم وسوق العمل. وتُعد المنصات الرقمية خيارًا استراتيجيًا لتقليل التكاليف وتوسيع الوصول دون الإخلال بالجودة، خاصة في المناطق البعيدة.
اقتصاديات التعليم ليست حسابات جامدة، بل رؤية تنموية تُعلي من قيمة الإنسان. فحين نُحسن إدارة التعليم، فإننا نخلق فرصًا، ونقلل الفجوات، ونبني اقتصادًا يستند إلى العقول قبل الموارد. المستقبل لا يُبنى بالأسوار، بل بالفصول، ولا يُقاس بعدد المباني، بل بكمية الوعي الذي نصنعه. وكل ما ننفقه في التعليم، ننتظر مقابله مجتمعًا أقوى، واقتصادًا أذكى، ووطنًا أكثر جاهزية للمستقبل.
** **
- هند الفقيه