في زمنٍ تتجدد فيه أشكال السيطرة، وتتنوع أقنعة القمع، تأتي رواية الأرجوحة لبدرية البشر لتعيد فتح جراح مألوفة بصوتٍ أنثويّ جريء. دفعتني قراءتي لها إلى تأمل ما تواجهه المرأة من قوالب تُكبّلها باسم الحب، والحماية، والتقاليد، لتبقى حريتها دومًا مرهونة برغبات الآخر.
تسرد الرواية حكاية ثلاث نسوة في علاقاتهنّ بالرجال: سلوى، وعنّاب، ومريم. ومن خلالهنّ، جسَّدت الكاتبة معاناة الأنثى في مجتمعٍ ما زال يراها بنظرة قصور ونقص، نظرة تُقصي إنسانيتها لحساب صورة نمطية تُعيد إنتاج التبعية.
فالمرأة، في أعين كثيرين، تظلّ عاجزة عن أن تُرى ككائنٍ مستقل، يمتلك عقله وحقه في الفكر، والاختيار، وتقرير المصير. وكما قالت الفيلسوفة الفرنسية سيمون دي بوفوار: “المرأة لا تُولد امرأة، بل تُصبح كذلك.” إذ تُعاد صياغة هويتها عبر قوالب اجتماعية تُقيّدها أكثر مما تمنحها الحرية وحقها.
تُلقى على كاهل المرأة قوالب نمطية يُسقطها المجتمع لتقليص أدوارها وحصرها في صورٍ جاهزة، يختارها الرجل وفقًا لما يراه مناسبًا له ولها، كأن يربط سعيها للمكانة الاجتماعية والنجاح بخروجها عن أنوثتها.
كما يُحمّلها عبء شرف العائلة وسمعتها، لذلك تُراقب حركاتها وسلوكياتها أكثر من الرجل؛ لأنها “تمثّل المجتمع”، بينما هو “يمثّل نفسه”.
ويُمجّد المجتمع المرأة التي تتغاضى عن عِلات زوجها وخيانته وسقوطه في وحل الرذيلة، ومن هنا وُلدت فكرة أن المرأة وُجدت للتحمّل والتنازل عن أحلامها.
كذلك، تتحمّل المرأة وحدها تبعات الزواج السري، وخوض علاقة مع طرفٍ يتمتع بحريته ويتنصّل من أي التزام أمام نفسه والمجتمع، بينما هي تُكبت مشاعرها وتُضيّق حياتها، وتُسلَب حقوقها.
تؤكّد هذه القوالب النمطية أن وجود المرأة وحريتها ما زالا مشروطين بالرجل ورغباته، لا بكينونتها، ولا بطموحها، ولا بوجودها الإنساني.
الرجل – في هذا السياق – لا يُرى فقط كرفيق، بل كضامن أمانٍ مفترض، حتى وإن كانت هذه “الحماية” تقتضي سلب ذاتها، أو منحها حريةً مزعومة تُستخدم كوسيلةٍ لفرض سلطةٍ خفيّة عليها. تُمنَح حريتها كما يُمنح الامتياز، لا كما يُمارس الحق.
وهكذا، يتحوّل الحب والارتباط إلى مرآةٍ مشروخة تعكس ازدواجية المجتمع، حيث تُزيَّن الهيمنة باسم الغيرة، وتُشرعن السيطرة باسم “الرجولة”، وتُعطى القوامة كأنها قَدَر.
لقد طرحت بدرية البشر، من خلال الأرجوحة، سؤالًا وجوديًا عميقًا: هل يمكن للمرأة أن تستعيد صوتها وسط ضجيج التوقعات والأحكام؟
المرأة في هذه الرواية، ما بين التأرجح والسقوط، تحاول أن تسترد إرادتها، ولو على حافة الانكسار.
** **
دلال خضر الخالدي - ماجستير في الأدب المسرحي
@Dalal_k_1