الثقافية - علي بن سعد القحطاني:
منذ انطلاق تجربته منتصف التسعينيات، قدم الروائي ماجد سليمان اثنين وعشرين كتابا توزعت بين الشعر والقصة والرواية والمسرح وأدب الطفل. ولم تتوقف رحلته عند حدود المشهد المحلي، بل امتدت إلى جامعات عربية وعالمية تناولت أعماله بالدراسة الأكاديمية، فيما ترجمت بعض نصوصه إلى لغات عدة. وقد ظل التراث النجدي حاضرا في كتاباته، بوصفه رافدا أصيلا لإبداعه السردي والشعري.
وفي لقاء موسع مع «الثقافية»، يتحدث سليمان عن ملامح مسيرته الأدبية وموقفه من النقد ودور النقاد في المشهد الثقافي، كما يستعيد بدايات ظهوره في الصحافة الخليجية، ويكشف عن رؤيته للتحول من النشر الورقي إلى الرقمي، معتبرا الكتاب الإلكتروني وعاء عصريا يواكب تطلعات القارئ. كما يعلن عن عمل جديد قيد الكتابة حول إقليم نجد، من المنتظر صدوره عام 2026، ليواصل بذلك رحلة إبداعية تمتد لثلاثة عقود من العطاء.
التجربة الأدبية
على مدى ثلاثة عقود منذ 1996م، قدمت اثنين وعشرين كتابا تنوعت بين الشعر والسرد والمسرح وأدب الطفل، وترجمت بعض النصوص ونوقشت في أطروحات جامعية. كيف ينظر ماجد سليمان إلى تجربته اليوم؟
أراها بزهو كبير، مراحل منتشية بمدارات السهر ولذة ليالي القراءة والتدوين، فلكل مرحلة ألوانها الخاصة، وشغفها الخاص، ونهجها الخاص أيضا. وهذا برهان على أنها نتيجة تجربة نابضة بكل معاني الحياة القائمة على الاستجابة للمحيط المتغير. وكلما التفت إلى مراحلها المنبسطة على أكتاف ثلاثة عقود، أحمد الله الذي ألهمني الفضل كله، حيث لم يطرأ علي أبدا أن أجد هذا الصدى المشرف، وكله من فضل الله. ومكسبي عناية القراء الفاضلين، والأدباء المتمكنين، والدارسين الضليعين في الأدب العربي، الذين أمطروني بوابل قراءاتهم ودراساتهم وبحوثهم في أدبياتي التي ظفرت برضاهم وأذواقهم الرفيعة. وها أنا أعد العدة لمرحلة جديدة رسمت خطوطها منذ أيام، ولا أزال المسافر مع مكتبتي الشخصية، والسابح في يم عناوينها. إنه مذاق ساحر لا يعرفه إلا من جربه في دفء ليالي السهر وحرارة التدوين، والقراءة المنطلقة المثابرة في متون مصنفات الأدب العربي.
الحياة النجدية
في بعض أعمالك الأخيرة تنويعات تنافسية وبروز صارخ للحياة النجدية في أصالتها وأبعادها المكانية. هل هو ترسيخ لهدف مقصود أم تناغم مع التراث المحلي؟
الحياة النجدية في أكثر خطوطها ودوائرها لم تأخذ حقها الأدبي، بخلاف الكتابة التاريخية أو الجغرافية أو التوثيقية الغنية بالتفاصيل عن إقليم نجد. هناك قصور أدبي كبير في تصدير البيئة النجدية بكل صورها، لذا انطلق جزء من أعمالي من بيئتي المكانية (مدينة السيح ـ الخرج) التي قامت على أنقاض مدينة جو اليمامة التاريخية، والتي كانت مسرحا لمئات الأحداث وقيام الممالك وقصص العرب الأوائل.
بدأت بمطولة شعرية عنوانها ليل القبيلة الظاعنة محاكيا قصة قبيلتي طسم وجديس النجديتين، ثم رواية نسوة السوق العتيق مصدرا الحياة الشعبية في التسعينيات، تلتها رواية خان جليلة معيدا النظر في موقع الخضرمة في الخرج والحي التاريخي خان جليلة (حي المنصورة حاليا ـ الرياض). تبعتها مجموعة قصصية منامات نوح عبدالرحيم وأحواله، وكان مسرحها أماكن تاريخية شهيرة وأخرى شعبية في مدينة السيح، مثل: عين الضلع ـ جبل الدام ـ وادي نساح ـ مقبرة الثليماء ـ المدافن الأثرية ـ شارع الطواحين ـ السوق الداخلي ـ حي العزيزية.
النقاد والمشهد الثقافي
كيف ترى ما يطرح من نقد في المشهد الثقافي المحلي؟ وما تقرأه من آراء النقاد التي تنشر هنا وهناك؟
قال نزار قباني «النقاد لا أهمية لهم في عملية الإبداع» لذا فإن آراء النقاد لا تقدم، ولا تؤخر، ولا تؤثر، ولا تشغل بال المبدع المنغمس في فنه. بعضهم لا يريدون أن يبرز المبدع إلا بعد تزكيتهم ومن تحت مظلتهم، وأن يقدم لهم التبجيل الخاص، وينسب لهم فضل تقدمه الأدبي. وهذا لا يقبله ولا يلتفت إليه المبدع المدرك.
المتسمون بالنقاد لا يقدرون على كتابة نص إبداعي (رواية، قصة، مسرحية، قصيدة، نثيرة)، فكيف يحق لهم التحدث والتنظير في فن لا يعرفون أبسط أبجدياته، فما بالك بدهاليزه وأسراره؟! ألا يشعرون بالخجل؟! وهم يتجادلون ليل نهار في فن هم أعجز الناس عن صناعته؟! وما زاد الطين بلة أنهم معتمدون على جهود الآخرين، فصارت مهمة بعضهم مشاغبة الأدباء، وإشغال المشهد الثقافي بالتنظير والتنصيص الذي لا يتعدى اجترار أقوال السلف والخلف مع مصطلحات الخواجة التي تنفر منها أفئدتنا ودماؤنا العربية.
قراءة الأعمال الإبداعية
ومن الذين تراهم جديرين بقراءة الأعمال الأدبية وتحليلها والكتابة عن جمالياتها؟
الأدباء الأعلام أهل الصنعة، لأن في تاريخ الواحد منهم مجموعة من الأعمال الأدبية الرصينة المتراكمة التي كون من خلالها تاريخه الأدبي، وأثمرت منها بصيرته الحسية قبل النقدية. فمنهم من كتبوا في النقد وأبهروا.
يجيء بعدهم دارسو الأدب، أصحاب المعاجم والبيلوغرافيا والبحوث والدراسات التي هدفها رصد طبيعة الحركة الأدبية وتحولاتها في مختلف مراحلها، والبحث في مساراتها التي تتعدد وتتنوع كل يوم. ومع ذلك لم يسم الباحثون والدارسون أنفسهم نقادا أو أدباء، بل دارسو الأدب. ولو أن بعضهم من أهل الأدب فعلا، ولهم أعمال أدبية شاهقة تشهد بعلو مكانتهم الأدبية.
لقد حمل دارسو الأدب مهمة تدوين تمرحل الأدب العربي وفهم تاريخه بعيدا عن أي أيديولوجيا، لاستخراج معانٍ جديدة له، وجمع ما تفرق منه، ورسم منهج يغطيه. ولا أنسى آباء ثقافتنا المعاصرة، الذين قدموا مشروعات ثقافية جاءت امتدادا تراكميا للكتب الموسوعية الجامعة والمنتخبات الأدبية التي صنفها مبدعون لهم قدم في اللغة والشعر والنثر والأنساب ورواية أخبار العرب، وغيرها مما صنفته عين المبدع الفنان.
الصحافة الكويتية
احتكاكي بالصحافة الخليجية كان مبكرا، حيث بدأت من خلال صفحاتها ومجلاتها وملاحقها الثقافية، وما زلت أظهر بين فترة وأخرى من خلال صفحاتها الحديثة. هل هو حنين لمرحلة مضت أم امتيازات اختصت بها الصحافة الخليجية عن غيرها؟
الاثنان معا: الحنين والامتيازات التي تتمتع بها الصحافة الخليجية، وخصوصا الصحافة الكويتية التي لها النصيب الأكبر، حيث كانت الحضن الأول الذي نشأت فيه وبدأت منه. فأول قصيدة لي نشرتها جريدة الوطن الكويتية عام 1997م، ثم أذيعت أول قصيدة لي على أثير إذاعة دولة الكويت عام 1998م بصوت فهد الهويدي، تلاها أول ظهور تلفزيوني على قناة الكويت الرسمية عام 1999م في ديوانية شعراء النبط.
بعدها نشر أول حوار صحافي معي في جريدة الأنباء الكويتية عام 2000م، أعقبه أولى مساهماتي في التراث التي نشرتها مجلة المختلف الكويتية عام 2004م، وتبع ذلك كله مشاركات وحضور مشرف إلى اليوم.
ولا أنسى الصحافة الإماراتية التي عرفتها قبل مطلع الألفية، وتحديدا خلال عامي 1999 و2025م، ثم تواجدت أخيرا في الصحافة البحرينية والعمانية، مع كامل محبتي ومودتي لأشقائنا على امتداد الخليج العربي العزيز.
الكتاب الرقمي
منتصف عام 2020م اكتفيت بنشر أعمالي الأدبية في نسخ رقمية، متجاوزا مرحلة نشرت فيها أعمالي السابقة ورقيا. هل بات الكتاب الورقي في حال لا تسر، أم أن للكتاب الرقمي ميزات لا تجدها في الورقي؟
قصة صناعة الكتاب تقارب ألفي عام؛ فقد بدأت بالألواح الطينية، ثم لفائف البردي، ثم الرقوق والجلود، ثم المخطوطات، ثم الطباعة الآلية، ثم القارئ الرقمي الحديث. كل ذلك تطور ونمو طبيعي. الذين لا يستريحون للكتاب الرقمي يشبهون أصحاب المخطوطات حين ظهرت الطباعة الآلية؛ توجسوا منها خيفة ورفضوها رفضا قاطعا، والنتيجة كما ترى: حملت المخطوطات إلى المتاحف، ومستقبلا ستلحق بها الكتب الورقية.
أنا في النشر لا أبحث عن مكاسب، مكسبي هو أن يؤذن لكتابي أن ينشر بصفة رسمية، وأن تحفظ حقوقي الأدبية تحت مظلة القانون. عدا ذلك لا يعنيني، كهموم التوزيع أو كيف يتداول أو ما يقال عنه؛ لأنها أمور تأتي من نفسها دون ترتيب مسبق. ولكل عصر أدواته، وأكبر خطأ قد يرتكبه المبدع اليوم هو الاستمرار مع الكتاب الورقي. فأنا أمقت هذه المزاجية العاطفية التي يتداولها البعض باسم رائحة الورق وصوت تقليب الصفحات، وترديد العبارات المخدرة للوعي التي صرفت المبدع عن أدوات العصر: الكتاب الرقمي، الذي اختزل عشرات الخدمات التي تفيد القارئ وتوفر عليه الوقت في البحث والاستفسار.
الكتاب الرقمي وعاء عصري كغيره، فها نحن نرى مكتبات متنقلة من خلال الأجهزة اللوحية. أنا أحدهم؛ عندي جهاز لوحي فيه أكثر من 250 عنوانا ما بين كتب منفردة ومجلدات وموسوعات، محفوظة بصيغ متعددة على منصات عالمية شهيرة. أحمل مكتبتي حيثما انتقلت في منزلي: من غرفة الجلوس إلى مكتبي الصغير، إلى باحة المنزل، إلى سيارتي أو سفري، دون عناء حمل المجلدات أو الجلوس الإجباري في مكان واحد بسبب وجود المكتبة.
لقد عاتبني أصدقاء وأحبة كثيرون حين انتقلت من النشر الورقي إلى الرقمي عام 2020م، حتى شكك بعضهم في استمرارية ذلك. واليوم ها هم ينشرون أعمالهم في نسخ رقمية قانونية بعد أن أيقنوا أن العصر يفرض أدواته.
عمل إبداعي قادم
هل هناك عمل إبداعي قيد الكتابة؟
نعم، وهو خاص بإقليم نجد أيضا، والأمل أن يرى النور خلال عام 2026 بإذن الله.
** **
@ali_s_alq