«من أجل تحقيق أفضل النتائج عليك بالحرص على انتقاء عدد محدود من الأشخاص ليكونوا هم الفريق».
«جاك كانفيلد» لم يكن بِدعاً في هذا التوجه، فقد سبقه غيره كما قد سبق، وللأمر احتمالات عدة ونتائج متفاوتة، وهذا يحكمه طبيعة تفاعلك مع من حولك، وطريقة التعاطي مع محيطك، وعليه فإن احتمالية النجاح طبيعية في ظروف معينة، وخاصة إن ركّزنا على تحديد طبيعة أولئك المقربين، ومتى كانوا مشاعل للتفاؤل والإيجابية كانوا خير معين لأنفسهم ومن معهم في تلك الرحلة، ولن نحصرها في مشاريع تجارية أو نشاطات مجتمعية، بل يمكن امتداد تلك التوليفة في حياتنا الشخصية كذلك، وأولى الناس بذلك الأثر هم من كانوا في معيته.
يقوم البشر باستعمار تلك الأرواح حتى تصبح هويتهم، ويتكلمون بلغتها، ويشكلون لونها، ويفيضون منها كغيث يتدفق لمن يطلبه ويتمنى وجوده، فكأنها قد امتلأت ثم انتثرت بلا حساب في تلك الباحة، وأشبه ما يكون بحامل مسك لا تُبلغ معه إلا رائحة تُذكى وعبير أزكى.
ما سبق ليس سوى احتمال واحد من عدة احتمالات، ولكن حتماً هو الاحتمال الأجمل، وإن كان الإطار أوسع من المقال، ولكن قد يقال - وللجميع الحق فيما يقول - إن تلك الفلسفة هي في حقيقتها حصرٌ للنفس على محدد، كما يمكن القول إنها حكم بالإعدام قبل الإعدام، وظلم لسعة العقل والروح، وتقييد لاستيعاب ذلك المزيج الممكن، وما نعرفه عن العقل وطبيعته التفاعلية، وما يشرحه التركيب من كونه نتاج محيط، لتبقى هذه الطريقة حبساً لواحد في ثلاثة، أو ربما أربعة، أو أي عدد محدود.
حين توهب مجرى واحد لاستسقاء فكرة واحدة لن يكون أبداً كمن يوهب أربعة، أو أكثر، وكلما زادت تلك المصبات زاد معها العقل كماً وكيفاً، بل نقول أبعد من هذا، حين تُشرعُ أبواب عقلك لكل تلك الأنهار وبكل ما تحمله من حلو ومر ومالح ومالا يُستساغ، فأنت بهذا تعطي نفسك مزية أخرى في مرحلة النقد والتفتيش والتنقيح، ربما ستحرم منها لو وحّدت وجهتك وحصرت موردك.
التعددية تعطي فسحة في التقبل، وتعطي فسحة أكبر في استكثار الحق وتقليل بقعة الباطل، وتمنح صاحبها تصريحاً للمسالمة لرقعة أكبر في هذا الواقع، وكيف لنا أن نصل إلى تلك الرتبة العليّة مع تحديد السواقي سلفاً؟
لعل «جاك» أو من يرى رأيه في ذلك التقليل، هو الخوف من أولئك الذين لا يزودونك إلا خبالاً، ويستعينون بالإرجاف معولاً واعتلالاً، ولذلك هم خطوات الخلف الكبرى أمام خطوة الأمام الصغرى.
ختاماً، وكما أسلفنا، فهو لا يرمي إلى كل ما نرمي إليه، ولكن ربما هي فرصتنا في الامتثال لزاويتنا الخاصة في خضم ذلك المذاع، وهي فرصة لك أنت أيضاً لتستسقي فكرتك من تلك الزاوية.
** **
- رياض عبدالله الحريري