صدر من كرسي الأدب السعودي بجامعة الملك سعود كتاب بعنوان (الأدب السعودي)، وما بين يدي الآن الطبعة الثانية من مطبوعات الجامعة عام 1445هـ/2024م ، والكتاب مقسم إلى ثمانية أقسام شارك في كتابتها أحد عشر باحثًا وباحثة، والكتاب من تحرير الأستاذ الدكتور صالح بن معيض الغامدي والأستاذ الدكتور أبو المعاطي الرمادي، وقد تجاوز حجم الكتاب 350 صفحة.
وهذا الكتاب كنت أظنه بطبعته (الثانية) قد تجاوز الكثير من الملحوظات، وعالج الأخطاء التي لا تتلاءم مع عمل يشرف عليه نخبة من الأساتذة الجامعيين، فمن ذلك:
أولاً: العنوان هو (الأدب السعودي)، وأحسب هذا قصورًا في اختيار العنوان، واختصارًا مخلًا بمحتوى الكتاب، فليس ما بين دفتي الكتاب هو الأدب السعودي، بل محتوى الكتاب ملخصات عن الدراسات العلمية في أنواع من الأدب السعودي، تمنيت لو كان العنوان إطلالة على دراسات في الأدب السعودي، أو محاضرات في الأدب السعودي، أو أي عبارة أكثر دقة، كحال الدراسات والرسائل العلمية التي تضبط عناوين الرسائل، والتي لا يمكن لمجالس الأقسام الأدبية في الجامعة أن تجيز لعنوان فضفاض مثل عنوان هذا الكتاب.
ثانياً: الفهرس لم يسلم من الإخلال أيضاً، فكثيراً من محتويات الكتاب والعناوين الفرعية المهمة لم تقيد في فهرس المحتويات، وليت محرر الفهرس اكتفى بأقسام الكتاب وبالأجناس الأدبية، بل يذكر القسم أوالجنس الأدبي ثم يذكر تعريفه، مثل: المقالة، تعريف المقالة، السيرة الذاتية تعريف السيرة الذاتية.. وهكذا، ولك أن تتخيل أن موضوع (الشعر) لم يذكر في الفهرس سوى الشعر، مع أنه استغرق 79 صفحة، وينضوي تحته: مرحلة النشأة، تيارات الشعر السعودي: التقليدي، التجديدي .
ثالثاً: الإخلال بالتناسب بين فصول الكتاب، والتناسق بين كل قسم وآخر، فليس من المعقول أن تستغرق القصة القصيرة 67 صفحة، والرواية (25) صفحة، والخاطرة 5 صفحات!!، أدى هذا الإخلال إلى دمج القصة القصيرة والقصة القصيرة جداً في فصل واحد، والخاطرة مستقلة بفصل خاص، في حين لو كان ضمها مع المقالة لكان أولى من غيرها.
رابعاً: الاستطراد الممل في غير ما يضمه عنوان الكتاب، ويلحظ ذلك في مقدمة طويلة استغرقت ست صفحات في تاريخ تطور فن الرسائل، في العصر الأموي والعصر البويهي، (انظر: 263- 264)، فلا أظن أن الباحث في الأدب السعودي يهمه هذا الاستطراد الطويل والعرض التاريخي الذي لا طائل منه، وبإمكانه البحث عنها في مظانها لمن أراد الاستزادة.
خامساً: ذكر المحرر في مقدمة الكتاب أنه تعمد التقليل من الهوامش فقال: (حاولنا أن نقلل من الإحالات إلى المصادر والمراجع قدر الإمكان واكتفينا بالإشارة إلى المراجع التي اعتمد عليها في نهاية كل مبحث) والحقيقة أن الكتاب لم يسلم من الاضطراب في ذلك، ففي فصل المسرحية نجد كثرة الهوامش، وفي فصل الشعر لا يوجد أي إحالة في الحاشية!
سادساً: أما المراجع فقد التزم كل باحث بذكر مراجع لكل قسم عدا قسم المسرح رغم طول هذا القسم الذي بلغ 57 صفحة! وذكرت مراجع لا أهمية لها في دراسة الأدب السعودي، كلسان العرب والقاموس المحيط (ص 281)
سابعاً: الإخلال بالشواهد: ومن ذلك في قسم الرسائل رغم طوله لا يوجد سوى شاهد واحد، وهي رسالة عزيز ضياء إلى صديقه محمد عمر توفيق (ص 280)، في حين أسهب الباحث عن ضروب الرسائل، مثل الرسائل الشعرية، فقد استفاض الحديث عن خصائص الرسائل في الأدب السعودي، لكن للأسف لا توجد أي رسالة شعرية، تعد شاهداً من شواهدها، وكذلك قسم المقامات (ص 314- 320) لا يوجد أي نص يعد شاهداً على فن المقامة في الأدب السعودي، وبما أن التجربة السعودية في فن المقامات قليلة فقد تمنيت من الباحث أنه ذكر مقامات عائض القرني الصادرة من مكتبة الصحابة بالشارقة عام 1420هـ.
ومن الإخلال بالشواهد الإخلال بالنقل، من ذلك قصيدة بعنوان (ماذا أقولُ؟) للشاعر حمزة شحاتة، ففي ص 9 كتبت الأبيات هكذا:
ماذا أقول كم أقولُ [كذا]
والقول من مثلي فضولُ
المال سحار النفوس
وفي يدي منه قليلُ
والناس للدينار أتباع
وأتباعي... [كذا]
والنفس للشهوات أطـ
ـوعُ والتقى جهد ... [كذا]
ماذا يطيق ... [كذا]
ينير وقد وهى ضوء ضئيلُ [كذا]
وبعد العودة لديوان الشاعر في (ص 244) أعيد الأبيات بعد التعديل!
ماذا أقول وكم أقولُ
والقول من مثلي فضولُ
المال سحار النفو
س وفي يدي منه قليلُ
والناس للدينار أتبا
عُ وأتباعي فلولُ
والنفس للشهوات أطـ
ـوعُ والتقى جهد ثقيلُ
ماذا يطيق وما يُنيـ
ـر وقد وهى ضوء ضئيلُ
ومن أمثلة الإخلال بنقل الشواهد ما جاء في (ص 17)، إذ ذكر الباحث قصيدة بعنوان (كوكب الحسن)، للشاعر حسن القرشي، ومع أنها قصيدة عمودية من بحر الطويل، وفيها خلل أكتبها لكم كما هي في الكتاب:
دعي عنك ما يشجي الفؤا د وعانقي
رؤى الفر [كذا] واستسقي الصبابة من دَنِّي
ولا تسألى غيرى الهوى إن فقي [كذا!]
قرارة حب الكون نبع الهوى مني
بقيثارتي هـس العذارى ... [كذا]
وفيها عزيف الريح قر الجن [كذا]
وبعد العودة إلى الديوان (الأعمال الكاملة 3/436) وجدت الأبيات هكذا:
دعي عنك ما يشجي الفؤاد وعانقي
رؤى الفجر واستسقي الصبابة من دَنِّي
ولا تسألى غيرى الهوى إن خافقي
قرارة حب الكون نبع الهوى مني
بقيثارتي همس العذارى بخدرها
وفيها عزيف الريح في عبقر الجن
ومن الأمثلة أيضاً في (ص 125) من مسرحية غرام ولادة، يقول حسين سراج:
لئن أسفت على شيء فليس على
حبي ولكن على غش ابن ... [كذا]
ولعلها (ابن زيدونِ)
ثامناً: من المآخذ أيضاً ذكر شواهد ليست محل الشاهد، ففي قسم الشعر ذكر الباحث شعراء التفعيلة في الأدب السعودي، ثم ذكر من شعراء الجيل الثاني الشاعر محمد الثبيتي (سيد البيد)، ومن الشواهد المذكورة على شعر التفعيلة قصيدة بعنوان (صفحة من أوراق بدوي) (ص 53):
هذا بعيري على الأبواب منتصبٌ
لم تعشُ عينيه أضواءُ المطاراتِ
وتلك في هاجس الصحراء أغنيتي
تهدهد الريح في مرعى شويهاتي
وبلا شك هذا ليس من شعر التفعيلة، بل شعر عمودي تقليدي من بحر البسيط، فأين التفعيلة في ذلك؟
ومن مآخذ الشواهد التي ليست محل شاهد ما ذكره الباحث تحت عنوان (قصيدة النثر) قصيدة لشاعر القلق ناصر بوحيمد عنوانها (بم تحلمون؟) في ص (70)، والنص المستشهد به نص موزون وليس من قصيدة النثر، تأمل قوله:
يا أيها المتسكعونْ
الجائعون المتعبونْ
أجفانكم فيها ابتهالْ
وعلى شفاهكم سؤالْ
وعلى الجباه الصفر
شيء لا يقال
وهذا النص مبني على تفعيلة بحر الكامل (متفاعلن)، ولا يصح نسبته إلى قصيدة النثر.
تاسعاً: ذكر الباحث في قسم الشعر ريادة الشاعر محمد حسن عواد في شعر التفعيلة (ص12)، فقال: «كتب قصيدة بعنوان (خطوة إلى الاتحاد العربي 1924م) ظنها بعض الدارسين أنها قصيدة تفعيلة»، والصواب أن ريادة عواد تتمثل في قصيدة بعنوان (تحت أفياء اللواء) نشرها في صحيفة القبلة عام 1921م، لكنه لم يذكر اسمه الصريح، بل ذيل قصيدته بـ (جدة – م. ح. ع)، ومنها:
نهضتي
أنت فخري
أنت ذخري
بك قدري يعتلي فوق السماك الأعزل
عاشراً: الكلمات المتشابكة، وهي ظاهرة بكثرة في الكتاب، وهي مزعجة للقارئ، مثل: (بسطمحمد العواد في الكتاب آراءه، ص 8)، (محمد بنأحمد العقيلي، ص 14)، (عبداللهالصيخان، ص 45)، (ودافع بعض الرواد عنشعر التفعيلة، ص 46)، (يستلهم الشاعر في النص السابقصورة الصعلوك، ص 50)، (مسرحية غرام ولادة للكاتبحسين عبد الله ص 123)، (مصاباً بالصداع وحرقانالمعدة، ص 258)، (محمد بنعبدالله العوين، ص 306)، أعلم أن هذه مشكلات الحاسوب، وأن نقل النص من خط إلى خط يؤدي إلى هذا التشابك، لكن هذا لا يعفي محرري الكتاب من المراجعة والتدقيق.
حادي عشر: الاختلاف في الصيغة التاريخية، ذلك أن الكتاب يعد توثيقاً تاريخياً للأدب السعودي فلا بد أن يعتمد على أسلوب موحد في كتاب السنة، إما هجرية أو ميلادية أو كلاهما، فكل قسم من أقسام الكتاب له أسلوبه، فمثلاً قسم الشعر وقسم الأدب الرقمي يؤرخ بالسنوات الميلادية فقط، وبقية الأقسام تؤرخ بالهجرية والميلادية، وفي قسم أدب الرحلة يذكر الباحث تواريخ إصدار بعض الكتب في أدب الرحلة بالسنوات الهجرية انظر ص 252: مثل كتاب ذكريات باريس للجهيمان عام 1397 هـ، وكتاب شهر في دمشق لعبد الله الخميس عام 1375 هـ وكتاب (جولة في غرب أمريكا عام 1413هـ ، أما غازي القصيبي فقد أرخ الباحث إصدار كتاب القصيبي (العودة سائحاً إلى كاليفورنيا) بالتاريخين الهجري والميلادي 1407هـ/1987م، وأما كتب عبد الله الحقيل (رحلات إلى الشرق والغرب) و(ورحلات وذكريات) و(صور من الغرب) و(ذكريات ورحلات في ربوع بلادي) كلها ذكرها الباحث بلا تاريخ هجري ولا ميلادي! مما يؤكد اضطراب المنهج في تأريخ الأعمال الأدبية للأدباء السعوديين، ومثل ذلك في قسم الرسائل فقد تجردت إصدارات كتب الرسائل من ذكر تاريخ الإصدار، انظر ص 272 تجد 12 كتاباً في أدب الرسائل كلها بلا تاريخ!
إن ذكر التاريخ ليس ترفاً فكرياً في كتاب يرصد الحركة الأدبية في المملكة العربية السعودية، بل ضرورة لكل باحث يريد الحقيقة التاريخية للأدب السعودي، وأختم بهذا المثال في (ص 3) قال المؤلف: ضم إقليم الحجاز مع بقية أقاليم المملكة سنة 1925م، وتوحيدها في دولة واحدة سنة 1351هـ! وذكر في الصفحة نفسها تاريخ وفاة الشاعر الأموي عمر بن أبي ربيعة (644هـ -711م)!! كيف ذلك وهو من شعراء القرن الأول الهجري (23- 93هـ)؟، والتاريخ المكتوب في الكتاب إنما هو بالتاريخ الميلادي، لكن الناسخ أخطأ في كتابة حرف الهاء الدال على التاريخ الهجري، والأفضل عندي أن يلتزم الباحث بالتاريخ الهجري مكتفياً بتاريخ وفاته إذا كان الشا عر من شعراء العصور القديمة، لأن تقسيم العصور الأدبية في تاريخ الأدب العربي معتمد على التواريخ الهجرية.
ثاني عشر: ذكر الباحث في قسم الشعر مظهرًا من مظاهر التطور الإيقاعي، وهو الترتيب المتفاوت للتفعيلات (انظر: ص 41)، مستشهدًا بقصيدة (هواجس في طقس الوطن) للشاعر عبد الله الصيخان، وهي قصيدة مبنية على بحر المتدارك:
وطني واقف ويدي مشرعة
ابنك البدوي أتى يستزيد هواجس إيامه [كذا بكسر الهمزة] المسرعةْ
مرسل من سني الفراغات كيما أفتش عن لغة ضائعةْ
بكيت على باب مكة فتشت أركانه الأربعةْ
وهذا النص تناوبت التفعيلات بين (فاعلن) و(فعلن) المخبونة من (فاعلن)، وزعم الباحث أن الشاعر في السطر الأخير «انتقل إلى نغم جديد مختلف ليست من المتدارك، فتفعيلة (فعولن) مكررة أربع مرات هي تفعيلة المتقارب» على نحو هذا التقسيم:
بكيتُ / على با / ب مكـ / ـة فتّشْـ / ـتُ أرْكا / نهُ الأرْ / بعةْ
فعولُ / فعولن / فعولُ / فعولن / فعولن / فعولن / فعلْ
وهذا التقسيم للتفعيلات صحيح، لو كان النص كله مبنياً على تفعيلات المتقارب، وبما أن الشاعر اختار المتدارك ابتداءً فيمكن تقسيم هذا السطر على بحر المتدارك على هذا النحو:
بكيـْ / ـتُ على / باب مكْـ / ـكَةَ فتْـ / ـتشتُ أرْ / كانه الْ / أربعةْ
فعو / فعلن / فاعلن / فعلن / فاعلن / فاعلن / فاعلن
وتعد التفعيلة الأولى خللاً عروضياً، ولو أضاف الواو أو الفاء (وبكيت) أو (فبكيت) لاستقام الوزن، أما القول بأنها شكل من أشكال التجديد الإيقاعي فإني أختلف مع الباحث، لأن الإيقاع نظام صوتي يجب الالتزام به، والا لاضطرب السامع في تحديد الهوية الإيقاعية للنص، حتى إن الباحث قال: «وهذا الازدواج بين تفعيلات البحور لم يكن مقبولاً ولا مستساغًا في عصور الشعر الأولى بل إنه ليعد ضعفاً في القصيدة يقدح في جمالها، لكن الشعر الحداثي يقبل هذه التصرفات» (ص:43)، قلت – وهذا رأيي- : حتى الشعر الحداثي لا يقبل هذه التصرفات، والقول بالخلل في إحدى التفعيلات خير من قلب هذا النص من بحر المتدارك إلى بحر المتقارب، وادعاء أن هذا من «حوار الأشكال الإيقاعية»، وسبب ذلك هو التشابه بين بحري المتقارب والمتدارك، فتفعيلة المتقارب مكونة من وتد مجموع (//0) ثم سبب خفيف (/0)، أما المتدارك فهو عكس المتقارب، سبب خفيف (/0)، ثم وتد مجموع (//0)، وهذا التشابه بين البحرين جعل الباحث يعتسف في التأويل ويلتمس العذر للشاعر، ويرى أنها «تطور لاحق لشعر التفعيلة».
ختاماً: تمنيت أن يعطي المحرر أو المشرف على الكتاب كل باحث إطاراً عاماً يشمل نقاطاً ثابتة لكل دراسة يلتزم بها كل باحث، مثلاً، التعريف، مراحل التطور التاريخي لكل قسم أدبي، أبرز الرواد من الأدباء السعوديين، شواهد لكل قسم، أبرز المصادر والمظان لكل قسم، ومع هذه الملاحظات فإني لا أقلل القيمة العلمية لهذا الكتاب، بل هو مشروع رائع في رصد الحركة الأدبية في المملكة العربية السعودية.
** **
أشرف بن أحمد العفيصان - المجمعة