الثقافية - كتب:
يجيءُ كتاب (ذاكرة العزلة والتواري) للدكتور إبراهيم بن عبدالرحمن التركي العمرو وصلًا لثلاثين عامًا من التأليف ابتدأ عام 1996م بكتابه: (سفر في منفى الشمس: قراءات في اغتراب الكلمة) لتكمل واحدًا وعشرين كتابًا تأليفًا منفردًا عدا أكثر من ثلاثين كتابًا أسهم في تحريرها وإصدارها ومنها عشرة أجزاء في سلسلة ( من أعلام الثقافة السعودية) التي أصدرتها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر، وعدد من إصدارات معهد الإدارة، وشركة مدارس رياض نجد، وبعض دور النشر الخاصة.
أوضح التركي في فاتحة الكتاب الدافع الذي حداه للاهتمام بموضوع العزلة والتواري وأحاسيس عدم الجدوى التي تراود بعض الكُتَّاب بين حينٍ وحين، ودرس العزلة والتواري عبر أمثلةٍ تراثية ومعاصرة، ومن خلال نظراتٍ ونظرياتٍ ونماذج ممن آثروا العزلة ومن شاءُوا الخُلطة، وفي مباحثه:
صور ودلالات، هواجس في الاعتزال، العزلة الاختيارية، الانفصال عن الواقع، اللغة المغتربة، اللغة السلوك، الحصار الذهني والتعصب، الوهم الضروري، الأدلجة والبرمجة، الميمياء ومجاميع التدوير، العزلة وتشاؤم العقل، العزلة والعقل المنطلق، أيها العقل من أطغاك؟
وفي فصل التواري، جاء حديث المؤلف عن بعض الشخوص والمواقف، ومن عناوينها:
لا أكتب عن الصورة فالأصل فوق كل الصور، معهد الإدارة وثلاثية: أبا الخيل والدغيثر والطويل، لماذا تأخر صدور سيرة الحجيلان، ملامح غاب عنها الضوء في وهج الشمس، أهملهم الإعلام وتجاهلهم الأعلام وبقوا في ذاكرة الوفاء، بين ذوي التيجان والأنجم: لم أسعَ ولم يسعوا وعرفتهم فأحببتهم، السيرة الرابعة للنعيم، العزلة المختلطة، المالك ومضادات العزلة، غيمات أبها تمطر في كل الوطن، الخروج من العزلة.
« كنا نسيرُ في بعض الطرقات الفرعية لجبال المتن اللبنانية المخصصة للمشاة وبدا لي أن أناقشَ مع أستاذي الصديق الدكتور حمد المرزوقي 1945- وهو كاتب ومثقف سعوديٌ أخلد إلى الصمت - فكرةَ عدم الجدوى التي تسكنُ بعضَ هواجسي حينًا إثر حين، وبسببها قدّمتُ - بصورة رسمية - عدم رغبتي في مواصلة العمل الإعلامي الثقافي، وتكررت المحاولات بعدها ولم تتحققْ، ولعامل المجاملة واللياقة كنت أستجيب مقنعًا نفسي أن الأمر مؤقت بعامٍ يُضاف أو عامين امتدّا حتى قارب حضوري الثقافيُّ -الإعلاميُّ أربعة عقود، وبقيت الرغبة أمنيةً تتجدد حين أخلو إلى نفسي في إجازات الصيف قرب بحر جونية، وعند أقدام صنّين، وقريبًا من دير القمر، أما لماذا يلحُّ الهاجس في لبنان فلأنني منَّيتُ نفسي يومًا بالعودة قارئًا لما أحبُّ، قريبًا ممن أُحب، متأملًا وربما مستلهمًا سيرة ناسك الشخروب 1889-1988م حين قضى شطر عمره الأخير بين ممر قبره وكوخ منزله ولم يكن يفصلهما سوى بضعة أمتار؛ فلماذا زهد المرزوقي وميخائيل نعيمة بالأضواء لو لم يجدا في العزلة ما يؤنسهما ولم يشجهما.
حققا ما لم أحقق، وغبطتهما إذ لم أنلْ ما نالا، وبقي السؤال: لماذا اعتزلا؟ وهل انعزلا؟ وماهي القيمة الحقيقية لاختيارهما؟ وقررتُ أن أتناول الموضوعَ باستطالةٍ أشمل، ثم رأيت أن أضمَّ إلى هذه الدراسة نماذج ثقافيةً وغير ثقافية لأناس ارتسمت معالمُ حضورهم فعُرفوا ثم شاءوا أن ينصرفوا، ووجدت ملائمًا معهم من عُرفوا شكلًا وربما جُهلوا موضوعًا فتكوَّن هذا الكتابُ الذي أردتُ ألَّا يتيه في زحام الاقتناع بعدم الجدوى لا من الحضور الشخصي المباشربل من الكتابة والتأليف أيضا.
ولعل من آثار كوفيد 19 العزلة الإجبارية التي أقنعتني أن في بعض النأي خيرًا كثيرًا؛ فحاضرتُ وكتبتُ وانتديتُ من قربٍ وعن بعد، ثم عدّلتً وحذفتُ وأضفتُ فصار مشروعَ كتابٍ في السيرة الذاتية والغيرية، لا أثق باكتماله بمقدار معرفتي باكتهاله فليره من يشاء قبل أن يهرم أو يموت أو يصيبَه ما أصاب كتبَ بعض المعتزلين.
وقد تضمنت خاتمة الكتاب تساؤلًا عن استقاء المكانة من خارج الذات، ولماذا يسعى الأكثرون إلى التماس ذواتهم في سواهم؟ وهل تتجدد ثقة الإنسان بنفسه حين لا يسندها موقف خارجي؟ وهل هي حالة فرد أم سياق مجتمع؟