لا جدال أن القوم مضت أعيانهم وبقت أخبارهم منتشرة، وهي مادة متنوعة التوظيف تخدم الدرس في إطارات متعددة منها؛ الفقهي والحديثي والنحوي والبلاغي والإمتاع الأدبي والمواضع البلدانية، وهذا الموضع والمنهل الواقع في جنوب غرب الدهناء عند تزاورها ناحية الشمال الشرقي عنه جاعلته في إجنابها عن يمينها مغباش الذلول في مسيرها، تضحيها منه أي: تصل الدهناء ضحى قبل أن تترمض رمالها وتحتمي مياسمها، وجنوب شرق المجمعة وشمال شرق تمير غير بعيد عنها، وشمال العاصمة الرياض قلب اليمامة النابض، وتتموقع إحداثيته على (25.8284569,45.8059646)، ويقع بخط مستقيم غرب شاطئ البحر شمال الخبر الراكة 444 كم يميل عن الغرب قليلاً ناحية الشمال، ومتزاور عن خط الرياض القصيم يمينًا ناحية الشمال الشرقي، يعامد شمال مفرق تُمير من الخط السريع بما يوازي 15 كم تقريباً ناحية الشمال الشرقي، أي سمته عن ناحية الطريق، والإحداثية هي الدليل الذي لا يغوى على تبيين البعد من أي ناحية انتحيته، ولا جهالة تحيط باسم (مُبايِض) أو موقعه قديمًا وحديثًا لمن لهم عناية وتفصيل بالدراية، لكنه في معجم البكري تحقيق مصطفى السقا وضبطه -رحم الله المؤلف والمحقق- ص 1179، ج 3/4، عالم الكتب، ط3 ، 1403هـ، بغض النظر أيقال له: (أُبايض) بالهمز أو (مُبايض) علَم وراء الدهناء وهذا الوصف لمن كان شمالها، في منازل بني أبي ربيعة بن ذُهل بن شيبان، ويُقال: في ديار بني سعد بن زيد مناة بن تميم، وهذا الاضطراب هو موجب التنبيه والتفصيل الموسع، وواجب على أهل الاختصاص عند تيسر المُكنة إزاحة اللبس وإبراز الحبس؛ أي حبس القول على أمر ينهي تشتت القارئ ويبين فهم ما عليه القوم حين ذاك لمن هو غير مختص في فهم المعاصرة وكيفية التموضع وتموج القبائل وتدافعها حسب مستجدات الظروف الطارئة والآفات الجارية، فبنو حنيفة مستقرون في (مَلهم) وجنوبها حتى شمال المجازة وشرقها إلى (جو الخضارم) و(بَطين قرماء) سابقاً و(ضرماء) حالياً وما صاقب تلك الديار غير بعيد عنها، تنتهي من الجنوب الغربي بموطن بني (هزان) هذا مدار ربيعة في تلك الناحية قبل البعثة -صلى الله وسلم على صاحبها- بما يقارب إن لم يزد على قرن من الزمن يأخذ صفة اليقين القار، وأما أذكارهم أي: ربيعة في تهامة وبعض الحجاز ونجد، ثم تحدرهم إلى البحرين، وتشاملهم حتى ما شمال العراق وشمال شرق الشام، فهذا خارج عن حديث المقالة وله تطاريح تتوارد في بحوثمقالات ليس هنا تفصيل إجمالها ومستقر في الأدبيات المرجعية استقرار، لا يزيحه الشك إلا لمن خانته القدرة على التمييز والتفريق أن تميم تجاورهم من الشرق بوجه عام. وأدنى ديارهم الملاصقة هي (السلي) الذي به العلَم الشهير (خنزير) (خشم العان) أو (الحصان) حاليا وموطن هريرة الواردة لدى الأعشى:
ودِّع هريرةَ إن الركب مرتحل
وهل تطيق وداعًا أيها الرجلُ
ولا يغيب عن الأنظار لقربه وتناظره مع (السلي) (بنبانُ) ووجود الصحابي عاطر الذكر -رضي الله عنه- الزبرقان بن بدر السعدي التميمي على هذا الماء الذي كان يَضن به لإبعاد الناس عن المرعى؛ حتى لا يستباح نفاده وإلا ليس بخلًا من سجيته، ولكنه من باب تدبير السياسة له ولقومه المقربين. وهو موافق لمن سبقه والهدي النبوي فيما يعرف بتعفية الحمى قديمًا وحديثًا، ومن هنا نفهم أن عرب ذلك الزمان لا يختلف تسييرهم وتدبيرهم في الإدارة والمصلحة ومقتضياتها عن المعاصرين إن لم يفوقوهم. وعلى أهل التراث التبصير بالمظان وما وراء تلك الأكمات من غوامض النصوص التي تُقرأ ولا يستقر فهمها، وغير خفي توجيه عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بالنهي للزبرقان أن لا يعود لمنع عابر السبيل من ماء بنبان وهو ما ألام به الحطيئة -رحمه الله- على الزبرقان مستضيفه الأول والذي مكرت به حليلته حتى تحول إلى خصومه المنافسين على المشيخة والحمقى من ولاية الزبرقان على الصدقات في الإسلام؛ لخوفها وتسريب الوشاية إليها أن يتزوج الزبرقان من بنات الحطيئة المجاورات لها فقال الحطيئة:
مقيم على بنبان يمنع ماءهُ
ماءُ وشيع ماءُ عطشانَ مرمِل
ديوان الحطيئة، ص 136 رواية وشرح ابن السّكّيت، دار الفكر العربي بيروت، ط1، 2001م.
ثم استعر الهجاء حتى حُبس الحطيئة قليلا وكوفئ لكف لسانه من الخليفة العادل عمر -رضي الله عن الجميع- حينما اشتكاه الزبرقان وأقيمت عليه. الحجة والحقيقة بحكم اطلاعي أن الحطيئة رغم انتقاله إلى الفريق الثاني قد تريث رغم حثه وتشجيعه والإغداق عليه بالكرم أن يلحق الزبرقان بشيء حتى تعدى الشاعر من ربيعة المستحث من الزبرقان غير موفق في ذلك فانداحت غريزة جرول، وقد ورد في بعض ذكر المواضع اسم الزبرقان بسقوط الباء ولعله سبق قلم أو سهو طباعي في مقالة الباحثة د. حصة عبدالعزيز القنيعير ج. الملك سعود في مقال لها قديما والبيان حين وروده يستوجب التنبيه.
وقلتُ لها يومًا بوادي مُبايضِ
أرى كلّ َ عانِ غير عانيكِ يُعتَقُ
علقمة التميمي حينما أسره الجمال من العيون والخدود كبله حتى تمنى الإعتاق من أسره، ولا تزال المنطقة حتى تاريخه تحظى بهذه الصفات بادية وحاضره.
خيلي التي رَكبتْ غداة مُبايِضٍ
فرجعنَ سبيَكمُ وكُلَّ سَوَامِ
جرير -رحمه الله- وهي خيل إذا غارت تفعل وجرير من بني حنظلة ومُبايض في دار بني سعد من تميم، وأما قصة طَرِيفَ العنبري وقتله من بني شيبان في يوم مُبايض، فهذا لا يسع الحديث إيفائه الحق الموسع، وتعيين قومه المعاصرين بادية وحاضرة وبالدليل الجيني والتعيين البياني وتجولهم عبر التاريخ الزماني، وتخلص المقالة إلى قول واحد أن مُبايض امتداد لديار تميم في الغرب الزلفي (زليفات) اسمها قديما و(لغاط)الغاط حاليا ورماح بني سعد شرق جنوب مبايض، والدهناء شمالها التي هي دار تميم بلا منازع وقد ورد في عام الوفود أن سأل وفد بني شيبان إقطاعهم شيء من الدهناء، فقالت المرأة التميمية للرسول -صلى الله عليه وسلم- التي وفدت مع بني شيبان أختها متزوجة منهم: الدهناء مسرح غنم نساء بني تميم ومُقيَّد الجمل كناية عن ضيقها بين القبيلين في الاتساع لهم، فقال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: امسك يا غلام فمن هنا تفهم الشواهد في سياقاتها التي يستوجبها الخطاب التحاوري في سياقاته المتعددة نصًا وقصا، آمل أن أكون أبرزت ما يقوم به النصاب بحكم إمعاني في تتبع المواضع وفهم القبائل السابقة والمعاصرة وعلاقة الحاضر بالماضي، منوه بالشكر الجزيل لجريدة الجزيرة وثقافيتها الجميلة على هذا المنبر الذي يُأًم وقبلة للثقافة والقائمين عليه.
** **
تركي بن شجاع بن تركي الخريم - باحث يهتم بالتراث الجغرافي والقبائل
Turki11_88@