قبل أكثر من عشرين عاما، شاركت في منافسةٍ مسرحية على صعيد الكتابة، لم أكن أعير الأمر اهتماما كبيرا؛ فلقد كانت الكتابة مستندة إلى مشاهدات لمسرحيات عربية وخليجية، وكنت أحاول تقليد ما أراه وأسمعه، حينها أشار عليّ أحد الأصدقاء المقرّبين أن يكون لكتابتي تنظيما له شكلُ المسرحية وبنيانها. لقد لفت انتباهي إلى أن الأمرَ ليس بالبساطة التي كنت أنظر عبرها.
بعد درس طويل وقراءات، ثم كتابة دؤوبة أدركت أن للقالب الكتابي المسرحي حضورَه، وأثرَه على صعيدي القراءة أو الإخراج؛ فالقارئُ يرغب أن ينطوي تحت تنظيم يأخذ بيده شيئا فشيئا، والمخرج كذلك يريد قالبا منتظم الفصول والمشاهد والمناظر، ناهيك عن نمط ومقاس الخط الطباعي المستخدم. إنه الشكل الذي لا يمكن إهماله ولا تجاوزه بحجة أن المضمون أهم.
على المستوى الشخصي، أَطمئنُّ إلى قالب ما أزال -أكتب- موظفًا إياه، وأجد له قبولا كبيرا، ومع علمي أن جلّ كتّاب المسرح المحترفين يعلمونه، إلا أني سألخصه - من قبيل التذكير للناشئين في الكتابة - في نقاط:
1- صفحة العتبة: ويرد فيها عنوانُ المسرحية أو اسمها بخط كبير عريض، تحته وصف بخط صغير عن نوعها( مونودراما أو مسرحية من فصل واحد، أو كوميديا اجتماعية.. وهكذا) وفي الصفحة نفسها يكتب اسم المؤلف وعام التأليف، وقد يضاف اليوم والشهر.
2- صفحة المدخل: وفيه تطرح الفكرة العامة دون وشاية بما تتضمنه المسرحية من دراما أو حكاية، إنما هو مدخل تمهيدي يهيئ القارئَ لأن يدلفَ إلى النصّ بمحمول فكري معين.
3- صفحة الشخصيات: وتورد فيها الشخصيات بحسب مساحتها في النّص، موصوفةً بأبعادها الثلاثة؛ المادية (الشكلية)، الاجتماعية (البيئية)، والنفسية (المشاعر والصفات السلوكية). ولا يخفى أن هنالك شخصيات منمّطة أو مسطّحة لا داعي لإيراد أوصافها لأنها لن تؤثر في حراكها داخل دراما النّص.
4- الفصول والمشاهد: قد تتكون المسرحية من فصول، أو فصول داخلها مشاهد، وأرى أن (الفصول آباء المشاهد) فالفصل أشمل وأعم من المشهد.
5- المناظر: وهي الإلماحاتُ التي تُستهلُ بها الفصول أو المشاهد واصفة الديكور، والوهلة الأولى التي تطالع عين القارئ أو المتلقي بيئيا.
6- الإرشادات والتوجيهات: وهي الجمل الواصفة لحركة الشخصيات قبل حوارها؛ من مثل: «يتحرّك إلى الأمام» أو «ينحني وبصوت متهدج» وهذه بالطبع تضيف للقارئ مشهدية مهمة، أما المخرجُ فهو بالخيار إما أن يأخذَها أو يدعها وفق قراءته البصرية الخاصة.
وعلى كلّ فليست هذه قاعدةً في الكتابة، إنما هو أسلوب متّبع أرتضيه بوصفه أنموذجا يُقتدى، ويدرّب عليه في الورشات المتخصصة.
** **
- يحيى العلكمي