كانَت المشاعرُ فَيَّاضَةً، تَنْسابُ في الدّاخلِ كَما النَّهْرُ حِينَ يُعانِقُ حِجارَةً صامِتَةً، فَيَمنَحُها لَمعانًا لا يُرَى إِلا حِينَ يَمُرُّ الضَّوْءُ مِنْ زاوِيَةٍ نادِرَةٍ.
لمْ تَكُنْ فَرْحَةً صاخِبَةً، وَلا نَشْوَةً كامِلَةً، بَلْ هَمْسٌ رَقِيقٌ...
يُشْبِهُ لَمْسَةً تَغْفُو بَعْدَ غِيابٍ،
رَجْفَةَ قَلْبٍ حِينَ يَسْتَعِيدُ نَبْضَهُ المَنْسِيَّ.
لَيْسَ شُعُورًا يُرَى، بَلْ يُلْمَسُ...
يَسْكُنُ في كُلِّ قَلْبٍ، في كُلِّ رُوحٍ مَا زَالَتْ تَشْتَعِلُ بِصَمْتٍ،
نَبْضٌ صَغِيرٌ، يَسْتَحِقُّ أَنْ يُعزَفَ، أَنْ يُحْتَفَى بِهِ، أَنْ يُحْفَظَ.
يَبْقى مُخْتَبِئًا في ظُلْمَاتِ الضِّلُوعِ..
تُخْبِئُهُ الأَرْوَاحُ خَوْفًا مِنَ الفَقْدِ..
يَخْرُجُ أَحْيَانًا حِينَ يَلْتَقِي مَن يُشْبِهُهُ..
وَحِينَ يُلْقى في صَحْراءَ قاحِلَةٍ أَوْ غابَةٍ هامِدَةٍ، يَعُودُ مِثْقَلًا بِخَيَبَاتِهِ،
لَكِنَّهُ يَعُودُ حَيًّا، لا يَمُوتُ.
المشاعرُ تَفيضُ رَغْمَ كُلِّ الجِرَاحِ، لِأَنَّ الفَيْضَ لا يُكْبَحُ، وَلِأَنَّ في أَعْماقِ الإِنْسانِ مِساحَةً لا تَمُوتُ مَهْمَا عاتَتْهَا الأَيَّامُ.
وَنَضْحَكُ...
لَيْسَ لِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ عَلَى ما يُرَامُ،
بَلْ لِأَنَّنا نَمْلِكُ حَقَّ الحَيَاةِ بِكُلِّ ضَحْكَةٍ.
نُخْلَقُ لِنَشْعُرَ بِالكَمالِ،
وَلَيْسَ لِنَرْضَى بِالنِّصْفِ...
لِأَنَّنا نَسْتَحِقُّ أَكْثَرَ.
** **
- زايدة حقوي