أثار لنا البروفيسور سليمان الذييب أحد علماء العالم العربي ورائد الكتابات القديمة وأكبر المؤلفين فيها حادثة ولغزاً في محاضرة في ثلوثية القهيدان بعنوان: (النقوش العربية القديمة).
تقول القصة: كان التجار ينقلون بضائعهم من شرق الجزيرة العربية إلى الدولة الآشورية قبل 2700سنة. وموقعها في دولة العراق.. وكانت وقتها من أعظم دول العالم (كروسيا في وقتنا الحالي).. وكانت تفرض المكوس على التجار مقابل الحماية، لكن القوافل تعرضت لقطع الطريق والسرقات من الأنباط.. ثم يختفون في الصحراء.. فاشتكى التجار إلى الديوان الآشوري.. فأمر الملك أحد القواد بأن يتتبع ملك الأنباط ومن معه، وجهز لهم فرقة عسكرية للقضاء عليهم. لكن جاءت نتيجة حملته من القائد الآشوري: أنا تبعتُ ملك العرب ياتع (أو ياثع) ملك الأنباط حتى دخل إلى أرض لا ماء فيها ولاطير ولا شجر دخل موطنه!
والسؤال هنا أين ينطبق هذا الوصف في جزيرة العرب؟
لو فرضنا جدلاً دومة الجندل أو جبة في حائل أو تيماء.. لقلنا هذه الأماكن معروفة عند الآشوريين. فموطنه مجهول! إذاً أين الأرض التي يدخل فيها ومن يتبعه يعرض نفسه للهلاك؟ لأنها في أرض لا ماء فيها ولاطير ولا شجر.. هنا لغز اختلف الباحثون المتأخرون في تحديد المكان.. فمنهم من يرى أنها الصحاري الواقعة شمال شرقي القَصِيْم حيث لامكان لطير ولاماء، ومنهم من يرى أنها عاشت في المنطقة الواقعة بَيْنَ الأردن والعراق وسوريا.
لمحة تاريخية:
إن عملية استقراء النصوص الآشورية تشير إلى:
أن العرب كانوا ينتشرون في مناطق البوادي للأقسام الشمالية للجزيرة العربية.
بعث سنحاريب بأحد قادته لمحاربة ملكة العرب.. والتي تعيش وسط الصحراء، وأنه غنم منها 1000 جمل. وأنها مع جزائيل ملك العرب تركا خيامهم وهربا إلى أدوماتو (دومة الجندل) للنجاة بنفسيهما، ويصف النص أدوماتو فيذكر أنها تقع في الصحراء حيث الظماء، وحيث لايوجد ماء ولا طعام.
أبرز ماخلفته النصوص الآشورية عن تاريخ المنطقة اللوحات الجدارية في قصر الملك آشور 668 -626 والتي تصور مشاهد معركة حربية دارت بين العرب والآشوريين، صورت العرب راكبين للجمال بينما الآشوريون يمتطون صهوات الجياد.
في حملة آشور التاسعة ضد ياتع ملك البلاد العربية.. أحرقت الجيوش خيامهم.. وهرب ياتع لوحده إلى بلاد الأنباط، وهذا يؤكد وجود صلة وثيقة مع الأنباط. ضد الآشوريين. وأن أرضهم تقع بين الأنباط والآشوريين.
عندما حرك آشور جيوشه قاصداً بلاد الأنباط.. يصف النص صعوبة الطريق حيث اعترضتهم سلاسل جبلية وصحاري قفراء حيث العطش فيها في بيته، فلا ترى فيها حتى طيور السماء، ولاترعى فيها حتى الحمر الوحشية، وكانوا في ذلك الطريق يتتبعون ياتع ملك البلاد العربية.
يرى أستاذ قسم الآثار بجامعة بغداد. د. رضا جواد الهاشمي: إذا كانت تشخيصات موسيل صائبة، وهذا مانرجحه، فيعني ذلك أن بلاد ياتع وحلفاءه تقع حوالي دومة الجندل وتيماء.
المشاهدات الميدانية:
أقول كرحالة جاب جزيرة العرب من شرقها إلى غربها ومن جنوبها إلى شمالها.. وقد صدر لي العديد من المؤلفات الميدانية في مناطق المملكة.. هذا الوصف ينطبق على مكان يطلق عليه في وقتنا الحالي: (البويتات) في منطقة الجوف، وهو يقع شرق دومة الجندل 130كم. فهو وسط صحراء وعرة جداً وخطرة على شكل دائرة بقطر 100كم لامعالم ولاماء ولاشجر فيها. وهذا الوصف ينطبق في الأشهر الحارة، ولاسيما وأنه ذكر في أحد النصوص الآشورية في شهر (سيمانو) وهذا يوافق: مايو (أيار) - يونيو (حزيران). أما المياه فلا يمكن العيش بدونه، لكن بعد مسح المنطقة تبين لي أنها في مخازن منخورة في الصخر مخفية.
الموقع:
تقع البويتات في القرية شرق سكاكا 95كم. وإحداثيات الموقع كالتالي:
آبار البويتات
Location: geo:30.02323,41.19830?z=16
https://osmand.net/map?pin=30.023234,41.198296#16/30.0232/41.1983
أولاً: مصائد السيول:
بعد مسح المنطقة تبين لي أن كل نقطة ماء من الأمطار يتم استحلابها عبر قنوات مائية وحواجز صخرية تمتد لمئات من الأمتار تجلب السيول من التلال المجاورة عبر شعاب صغيرة إلى منطقة منخفضة وتجتمع في مكان محاط بالصخور، يبدو لي من خلال المشاهدة الأولية أنها مصفاة للأتربة. لكنها حالياً مطمورة بالأتربة وراسب المياه.. وبعد أن يرتفع منسوب المياه فيها تنحدر المياه الصافية من الجهة المقابلة نحو بركة دائرية، وهي الأخرى أيضاً مطمورة بالأتربة.. وبعد أن تمتلئ تخرج من الجهة المقابلة، وتنحدر نحو العديد من الخزانات لجمع السيول، يطلق عليها سكان المنطقة (نقور) وهي منقورة في الصخر على شكل ثمرة الكمثرى.. هذه الهندسة المائية شبيهة كل الشبه بهندسة الأنباط في البتراء والحجر.. وقد تحدثتُ عنها بما فيه الكفاية في كتبي فارجع إليها إن شئت، أيضاً شبيهة بالتخطيط الهندسي في جلب وتخزين المياه في منزل الْبِطَان بدرب زُبَيْدة.
ثانياً: المنشآت الحجرية:
هذه المنشآت احترتُ في تصنيفها فبعضها شبيه بالدوائر الحجرية وأقرب ماتكون مدافن، وقد شاهدت في إحدى الدوائر تعديا على الموقع الأثري حيث نبش وسط الدائرة وبجوار الأتربة المحفورة صخور كبيرة كأغطية المدافن، أما بعضها الآخر من المنشآت الحجرية فهو شبيه بالمساكن. وأما بعضها الثالث فهو نمط مثير للنظر على شكل دائرة مقسمة من الداخل على شكل مثلثات بصخور كبيرة الحجم على شكل فروش ترتفع لأكثر من متر! قد تكون أماكن للعبادة أو لتخزين الأطعمة..
التوصيات:
نوصي بإجراء دراسات حديثة، وعمل مجسات.. فقد تدلنا المعثورات أو النقوش إلى شيء نجهله وما أكثر مانجهل.
** **
- تركي القهيدان