الثقافية - علي القحطاني:
في قلب التحولات الثقافية التي تعيشها المملكة، تتشكل مبادرات نوعية تصنع فضاءات جديدة للتعبير والتواصل، من بينها «ديوانية القلم الذهبي» التي أطلقها معالي المستشار تركي آل الشيخ، لتكون منبرًا للمبدعين، وملتقىً يوميًا يربط بين أجيال الأدباء والفنانين.
«الثقافية» التقت الكاتب والمخرج المسرحي ياسر يحيى مدخلي، المدير التنفيذي لديوانية القلم الذهبي، وصاحب تجربة لافتة في «مسرح كيف»، للحديث عن واقع المسرح السعودي، وأثر التحول الرقمي في تشكيل الكاتب الجديد، وحدود العلاقة بين الإبداع والذكاء الاصطناعي.
من «ديوانية القلم» إلى فصلية «المحترف»، ومن المسرح إلى رهانات الكتابة المعاصرة، يتناول مدخلي في هذا الحوار أسئلة الفن والثقافة، وهواجس المبدع، ورؤيته لمستقبل المشهد الثقافي في المملكة.
ديوانية القلم الذهبي
* إلى أي مدى يمكن لديوانية القلم الذهبي أن تسهم في تنشيط الحراك الثقافي وكيف يمكن استثمار هذه المنصة لتعزيز الروابط بين الأدباء والمبدعين محليًا وعربيًا؟
- طرح معالي المستشار الأستاذ تركي آل الشيخ فكرة ديوانية القلم الذهبي ليؤكد من خلالها على أهمية النشاط الثقافي، وأعتقد بأن الزاوية التي يقرأ منها المشهد الإبداعي جعلته يقدمها كمبادرة لتكون ملتقى للمثقفين والفنانين عموماً والأدباء على وجه الخصوص ومن خلال هذه الفترة الوجيزة وبدعم معاليه واستجابة كل قيادات الهيئة العامة للترفيه لاحتياجات المثقفين أثبتت ديوانية القلم أنها محطة مهمة لتلاقي كل الأجيال واحتكاك المبدعين من كل القطاعات بشكل يومي ونلمس أثره واضحاً على أرض الواقع.
والحق يقال بأن بلادنا صنعت نهضة حضارية لفتت أنظار العالم والسعودية بإنسانها وقدراتها حققت التقدم في كثير من القطاعات وأثبتت بأنها تمتلك أنضج ممارسة سياسية واقتصادية وعلمية وترفيهية ورياضية وثقافية، بفضل الله ثم برؤية القيادة الرشيدة التي أصبحت تؤثّر بإيجابية محلياً ودولياً وتقدم تجربة إنسانية مذهلة وجودة حياة لا تضاهى، وواجبنا كمبدعين اليوم أن نساهم بوعي في رواية قصة السعودية العظمى كوطن للسلام والأمل وتحقيق الأحلام.
دورية «المحترف» للمسرح
) ما أبرز التحديات التي واجهتموها عند إطلاق فصلية «المحترف» كأول دورية سعودية متخصصة في المسرح عام 2015؟
- انطلقت منذ سنوات طويلة ثم توقفت وكانت مبادرة لإصدار نشرة فصلية بتصريح من وزارة الثقافة والإعلام آنذاك، وكان اهتمام المسرحيين واحتفاؤهم كبيراً واحتياجنا إلى صحافة متخصصة في قطاع المسرح لإبراز كثير من الجهود التي طواها النسيان ولم توثّق في مسرحنا السعودي المليء بالأسماء المبدعة والتجارب الجادة والتاريخ الطويل للممارسة الإبداعية في هذا الوطن الغالي.
وتبقى العقبة الأولى لكل المبادرات المسرحية في الاستدامة التي تحاول الجهات الحكومية مشكورة ترسيخ مبادئها مع الممارسين في القطاعات المختلفة لتحقق أثراً ينمو ويؤثّر متسقاً مع احتياجات السوق، وإذا تحققت الاستدامة كواحدة من مقومات المسرح السعودي ستتمكن المشاريع من الاستمرار والتطور وتحقيق دور يسهم في التنمية الثقافية للوطن وقدراته والإرث العظيم الذي يتمتع به تاريخنا العريق.
المسرح السعودي
* المسرح السعودي مر بالعديد من التحولات ما هي قراءتك للمسرح السعودي في المستقبل القريب؟
- كل المقومات التي يمتلكها المسرح السعودي تؤكد على فرص نجاحه وقدرته على التميز والتفوق على الكثير من التجارب العالمية وخير دليل على ذلك أن الفنون والثقافة والإبداع إحدى ركائز رؤية 2030 التي أطلقها سمو سيدي الأمير محمد بن سلمان برعاية مولاي خادم الحرمين الشريفين - حفظهما الله.
وحتى نحقق ما تتطلع إليه الرؤية من مستهدفات في مجال الفنون والثقافة وكي ينال مسرحنا ما يستحقه من حضور علينا أن نبدأ كمسرحيين من أنفسنا ويكون الهم المشترك مسرحنا السعودي وكيف نصنع مشهداً يرتكز على وعينا الوطني ويسترشد بالرؤية ويحقق أهدافها ويكون الأثر الثقافي والاجتماعي متوازياً مع الأرقام، وليكون في سياق منسجم مع بقية الفنون المجاورة له، والعمل على نهوض المسرح ليس صعباً على السعودية التي تفوَّقت عالمياً في كل القطاعات الأكثر تعقيداً من المسرح، والخطوة الأولى من وجهة نظر تكون باتجاه الاستثمار في البنية التحتية وصياغة أسس تعزِّز الإنتاج المسرحي المبتكر والمنافس لأهم المنتجات المسرحية في العالم ليليق بوطننا الشامخ.. ولو هيئ لقطاع المسرح بنية تحتية جاذبة وحوكمة متينة، وخطة رصينة نابعة من الميدان واستفاد المسرح من الكفاءات الوطنية واستقطب القدرات العالمية سيكون لنا مسرح نفاخر به وجماهير تتزاحم على أبوابه.
التحولات الرقميّة
* في ظل التحولات الرقمية، كيف يمكن للكتَّاب استغلال الفرص المتاحة لتحويل مواهبهم إلى مصادر دخل مستدام؟ وما التحديات الرئيسية التي تعترضهم في هذا المجال؟
- الكاتب يمتلك فرصة عظيمة، فالتحولات الرقمية تعطيه قيمة مضافة وحضور فريد وهذه التغيّرات التي تعزِّز الآلة تشكل فرصة لتطوير أدوات المؤلفين وتمنحهم فرص لاختصار الوقت وتقليل الجهد والتواجد مع القراء والمشاهدين بشكل مباشر.
الأهم أن يتعامل الكاتب مع قدراته بشكل مؤسسي ليشكل ممارسة مهنية احترافية منافسة في سوق المحتوى.
القراءة المتنوعة
* يُقال إن الكاتب الجيد هو قارئ نهم، فإلى أي مدى تؤثّر القراءة المتنوّعة بما في ذلك الصحف، الأعمال الدرامية، والحوارات في صقل أسلوب الكاتب وتنمية قدراته الإبداعية؟
- القراءة تغذّي المخزون المعرفي واللغوي للكاتب وتسهم في تشكيل ذائقته وفهم أعمق للمجتمع الذي يكتب له وعنه، وبالقراءة يدرك الكاتب أن دوره الرئيس في تنوير العقول وتحسين التفكير ورفع مستوى الوعي ومخاطبة المجتمع باتزان بعيد عن التطرف أو الانحراف، الكتابة ليست مجرد شعور وكلمات مصفوفة، الكتابة هبة إلهية لها قيمة وتأثير يستوجب الرعاية والصقل واستشعار المسؤولية الوطنية التي تحتم علينا المساهمة في تنمية بلادنا وثقافتها.
الاحترافية والإبداع
* ما أهمية الاستمرار في الكتابة رغم لحظات الجمود الإبداعي التي قد تواجه الكتَّاب أثناء مشاريعهم؟ وكيف يمكن تجاوز هذا العائق وتحفيز الفكر لإنتاج نصوص متكاملة؟
- الكتابة تحتاج الاستعداد والوعي بالموضوع والإلمام بأهداف الإبداع الترفيهية والأخلاقية والتوعوية ولكي ينتج الكاتب عمله باحتراف عليه أن يكون على درجة عالية من استيعاب أهمية ما يكتب واختياره لموضوعاته ومضامينه.
وحبسة الكاتب من التحديات التي يواجهها الكاتب ولكن يمكنه تجاوزها بالممارسة المستمرة وصياغة إستراتيجياته التي تنسجم مع قدراته ومزاجه ليقاوم هذا التحدي بسهولة لا تؤثِّر على علاقته بمشروعه.
مسرح «كيف»
* كيف ساهم فريق «مسرح كيف» في تطوير المشهد المسرحي السعودي؟ وما هي الرؤية التي يحملها ياسر يحيى مدخلي لمستقبل المسرح في المملكة، سواء على المستوى المحلي أو الدولي؟
- مسرح كيف ليس مجرد فريق، نحن اليوم تعاونية فريدة من نوعها، بإشراف إداري من وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية وإشراف فني من وزارة الثقافة، بالإضافة إلى أن «مسرح كيف» يقدِّم أسلوباً ومنهجية علمية، أفتخر بأنها إسهام سعودي أصيل يُضاف إلى المسرح العالمي ومن خلال تجاربنا التي تمتد إلى 20 عاماً استطعنا ابتكار قالب يوازن بين الجماهيرية والمسرح الاحترافي وملكية فكرية مسجلة.
ومن خلال إستراتيجية مسرح كيف 2030 نتطلع لنكون مساهمين في البنية التحتية للمسرح بأنواعه وجزءاً من سوق الاستشارات الهندسية والتقنية في المسرح السعودي بالتعاون مع شركات محلية وعالمية، ونقدِّم عروضاً دائمة تجذب الجمهور من داخل وخارج السعودية.
الذكاء الصناعي
* مع تزايد تأثير الذكاء الاصطناعي في المشهد الأدبي، كيف يمكن للأدباء الاستفادة منه كأداة مساعدة دون المساس بأصالة الإبداع البشري؟ وما التحديات الأخلاقية التي ينبغي مراعاتها عند دمج الذكاء الاصطناعي في الكتابة الأدبية؟
- الذكاء الاصطناعي اليوم أداة مهمة للأدباء في مجالات البحث والصياغة والتصحيح وحتى على مستوى العصف الذهني الذي يحتاج إليه الكاتب لتطوير أفكاره، يبقى الكاتب العقل المدبر للإبداع مهما تطورت الأدوات التقنية لأن روح العمل الإبداعي مرتبط بالفكر الإنساني الذي يتميز بربط المنطقي بالعاطفي ومراقبة الحياة الاجتماعية والإيمان بما يتطلع إليه الإنسان في المستقبل هو روح المبدع الإنسان وأما الجانب الأخلاقي فمهما صيغت القواعد والقيم فإن الضمير المبدع هو المحك الحقيقي.
** **
@ali_s_alq