بدءاً كم أنا سعيد أن أطلّ على المشهد الثقافي بعامة، والمسرحي بخاصة عبر الجزيرة الثقافية، محاولاً تسليط الضوء على كثير من إشكالات الفعل المسرحي في واقعه المحلي، وربما في محيطه الخليجي والعربي ما أمكنني ذلك.
لعل أولى معطيات الحضور المسرحي على صعيد الكتابة، هي تلك المتمنعة عزيزة المنال؛ الفكرة وما أدراك ما الفكرة؟ تلك المبتغاة المنشودة من كلّ ذي اهتمام بالكتابة الإبداعية، وضالة الهاجسين بتقديم أعمال مسرحية رصينة وذات أثر، الفكرة من حيث منابعها، زوايا تناولها، وطرائق صياغتها، ثم إدراجها في معالجة درامية تضمن ثنائية المتعة والتأثير، أو قل الفرجة الناضجة.
قدّمت عدداً من ورش الكتابة المسرحية لفترات متنوعة، شارك فيها أعداد كبيرة من شداة الكتابة والفن المسرحي، كانت ورشة استنباط الفكرة / الأفكار مثار جدل دائم، فمن قائل: الحياة كلها أفكار قابلة للمسرحة، وثان يرى أنها عصية، وأن وجودها مرتبط بصفاء ذهني نوعي، ثالث يظنّ أنها سهل ممتنع، قابل للمراوغة، صفته المخاتلة، وآخر يرى الفكرة في الإنسان نفسه حين تأخذه الحياة في دوامتها.
الحقّ أنهم جميعاً على حقّ؛ إذ الأفكار موجودة لكنها مختبئة، حاضرة غير أنها في حاجة إلى قنّاص؛ فهي كالغزلان الشاردة شديدة الحساسية عند الاقتراب، ولعل أفضل تدريب على الكمون ثم الاقتناص هو مشاهدة عروض أو قراءة نصوص مسرحية، ثم محاولة صياغة أفكارها في بلورة منطقية تصل إلى بغية الكاتب والمخرج معاً.
إن كثيراً من الأعمال المحلية التي حفلت بها المهرجانات تقدّم في نسق داخلي لا يوضح فكرتها ولا رسالتها مهما كانت العناصر الفنية المصاحبة باذخة ومكلفة، ذلك لأن ملفّ الفكرة لم يأخذ حقّه من العناية والتمحيص والتركيز، يكون النص مغرقاً في سردية معمّاة تائهة لا بدء لها ولا صعود ولا خلاص، يخرج المتلقي بعد المشاهدة أو القراءة محملاً بأعباء سوء الفهم أو عدمه، بحجة واهية أن أفق التأويل مفتوح.
الفكرة هي نحن؛ بيئتنا، ثقافتنا، موروثنا، صراعاتنا النفسية الداخلية، ومعتركنا الخارجي، الفكرة المؤرقة ليست بعيدة، نحن الذين لم نقترب.
** **
- يحيى العلكمي