ترصد رواية بشر يلتهمون ظلالهم للكاتب يحيى أحمد صراع الفرد مع البنية الاجتماعية التي تحدد شكل الهوية وتعيد تشكيلها وفق منظومة قيم تتجاوز قدرة الإنسان على مقاومتها، وتقدّم الرواية عبر سرد متوتر وعميق تصويرًا لمفهوم «الظل» بوصفه الجزء المخفي من الذات؛ ذلك الصوت الداخلي الذي يُجبر الفرد على كتمانه خوفًا من سلطة المجتمع، لا من سلطة فرد بعينه.
الظل في الرواية ليس حالة نفسية معزولة، بل نتاج اجتماعي تتراكم فيه القيود والتوقعات والأعراف. فالشخصيات تلتهم ظلالها بطرق مختلفة: شخصية تتخلى عن حلمها، وأخرى تبتلع هشاشتها، وثالثة تخفي غضبها حتى ينفجر مغيرًا مصائر من حولها. هكذا تتشكل ذوات مشوّهة تبحث عن النجاة في عالم لا يمنح مساحة للهشاشة ولا يترك مجالًا للبوح.
وتطرح الرواية أسئلة الهوية والانتماء داخل فضاءات قَلِقة، تتحرك فيها الشخصيات بين أمكنة تحتضن الجسد وتقصي الروح، وأخرى تمنح شعورًا مؤقتًا بالانتماء سرعان ما يُسحب من صاحبِه. هذا التوتر ينتج مسارات سردية تكشف تدريجيًا كيف يفقد الأفراد أصواتهم ورغباتهم وحقهم في الاختيار، لا دفعة واحدة، بل عبر سلسلة تنازلات تنتهي بذوات ممزقة تحاول استعادة ما ضاع منها.
وتبرز الرواية بوضوح أثر الاختلافات الثقافية بين البيئات على السلوك الإنساني، فالجريمة التي ترتكبها إحدى الشخصيات ليست فعلًا فرديًا خالصًا، بل تنفيذ لإرادة منظومة اجتماعية تربط الشرف بالجسد وتستعيده بالعنف، في حين تدفع بيئة أخرى بشخصية مختلفة إلى الاكتفاء بالعقاب والعزل، ضمن هامش وإن كان ضيقًا يسمح بالتعامل مع الفضيحة خارج منطق الدم.
من خلال هذا البناء تقدم بشر يلتهمون ظلالهم رؤية حادة للصراع بين الذات والمجتمع، وتكشف هشاشة الإنسان حين يُجبر على إخفاء ميوله وأحلامه
ن وتطرح سؤالا يتجدد هل يمكن للفرد أن يعيش كاملًا من دون أن يفقد جزءًا من ذاته؟ أم أن صراع الإنسان مع ظله قدرٌ يتكرر ما دام المجتمع يفرض عليه ما ينبغي وما لا ينبغي أن يكون؟
** **
- دلال خضر الخالدي