سبق التمهيد في مقالة (الوعي والأوعية تمهيداً وتقعيداً) في الثقافية الغراء العدد 19071 بتاريخ 3-10-2025م، وترسلت المقالة بالثناء على جهود أهل المعاجم وعموم أهل البحث، وبينت ما أثبتته هناك إلا أن ورود الجزلاء واد هناك في شعر كثيِّر، هذا يدلك (أن بلاكث هذه بين ديار قضاعة وبلاد بني قشير) معجم ما استعجم للبكري، ص272، وهذا أمر لا اعتراض عليه، إذ المكان وما حوله ضمن حدود (العُلا) الإدارية حالياً التابعة لإمارة المدينة المنورة الموقرة، وهذا له حديث آخر لتبيان المفارقة، و(الجزلاء) المعنونة هي قريب من نهاية حدود (اليمامة) الغربية الإدارية التابعة لـ(وادي الدواسر) ضمن إطار مقام إمارة (الرياض) الموقرة الإداري، والمحاط بمعرفة تامة أن حدود (عيال منصور وبني عامر) على وجه الخصوص من حمى (ضرية) حدود (نجد) الشمالية الغربية، وتتنحى إلى الجنوب الشرقي حتى تتواصل مع حدود شمال (نجران) وشرق (عسير) حالياً، مكانفة لثلاثة فروع من (مذحج) هي من الغرب الجنوبي (زبيد) و(مراد) و(بنو الحارث بن كعب) الداخلة في المظلة، وتجاور بني عامر (نهد وجرم) اللتان يتأرجح تآلفهما حينذاك وفق مقتضيات المصلحة بين (مذحج وبني عامر).
وأما ثبوت قشير في (وادي العقيق والفلج والرين) -الريب قديما- وأعالي (وادي نساح) الواقع جنوب العاصمة (الرياض) وشمال غرب محافظة (الحريق) حالياً -فرعته العليا- والمتماهي أعلاه مع (جِلْه العشار) الجِله حالياً يمتطيه الطريق السريع من (الرياض) إلى (القويعية) غير خفي اسمه وموقعه على من له إلمام بتلك المواقع، فهذا أظهر مما يدلل عليه وقد تعرض له أهل المعاجم وأهل الأدب وعلى رأسهم شيخنا أ.د. عبد العزيز الفيصل، في رسالته عن قبيلة (قشير)، التي أهدانيها مشكوراً وغيرها الكثير في ليلة حافلة بالعلم في4-10-1413هـ، وتبعد (الجزلاء) من أواسط (وادي الدواسر)- الخماسين مثالاً- 77 كيلاً و390 متراً، وشرق (تثليث) بخط مستقيم 101 كيل ونيف من الأمتار، وا(لجزلاء البيضاء) -كما تُسمى- هي متقاودة من الشرق إلى الغرب على 30.3078379كم، وعلى 44.5700966 و(الجزلاء السوداء) امتداد لها على 30.4638993، وعلى44.5457676 وتناوح من الشرق هجرة (ماء جُرير) الواقع في وسط (وادي تثليث) قبل أن يسمى (وادي الدواسر) ويدخل الحدود الإدارية، وقد تقارب (الجزلاء) في جبالها وبرقها وآكامها المتغشية بالرمل منقادة من الغرب إلى الشرق أو العكس 20كيلاً إلا قليلاً، وتنيف على17 كيلاً 736 متراً في قياس لا نلزم أحداً بدقته المتناهية، والعرض ما يقارب 7 كيلات 693 متراً، وينطبق عليه ما أوضحنا عن الطول، وهذه المقاربات للتسهيل عن طبوغرافية المكان لمن لا يستطيع الوصول إليه، ويتخلل (الجزلاء) بعض المسايل المتجهة من الجنوب الغربي إلى الشمال الشرقي يفيض سيلها مع منكفأ واسع من شفا هضبتها المرتفعة إلى أعالي (وادي الدواسر)، ويحف بسهولها الشرقية واد (المسمّاه) وهو منقاد من الجنوب الغربي حتى ينتهي شمالاً إلى (وادي العقيق) المسمى قديماً بـ(عقيق كندة) وترد (جرم وعُقيل) لاحقاً ويناوحها من الشمال حبال رمال رقبة رمل وادي الدواسر، بعد أن يتطامن ارتفاع هذه النفود عمَّا شرقها ذي الضخامة المتناهية، وهذا الرمل يقارب أربعة حبال بينه وبين (الجزلاء) أقل من 20 كيلاً أو قريب من ذلك، ويصاقب الموقعين من الشرق أعالي (الفرعة) التي فيها القاع الشهير المسمى بـ(السراجي) وهو قاع يتبارق أو ما فصلنا فيه بالتسارج في بحثنا الموسوم بـ(ثعالة بين الخفاء والتجلي) وكذلك في مقالتنا بالثقافية الغرّاء عن موضع (يلملم) الذي مضى عليه دهر قبل تفصيله منا ينعت بـ(يبنبم) أو(ابن ابن) وقد تعرضنللـ(سراجي) في هذه المقالة وبينا نعتها من حميد الهلالي، رضي الله عنه أي يلملم وإثبات وجود بني هلال في عالية العقيق:
وإن شئت غنتني بأطراف بيشة
أو النخل من تثليث أو من يلملما
على التحقيق الأخير.
والمواضع بذل فيها جهود وعناية يقل نظيرها إلا فيما يخص كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- وهي وثيقة العلاقة بالكتاب والسنة والمغازي وهجرة الصحابة والتابعين والأعيان ومواقع القبائل ومواطن الشعراء والأحداث التي تتردد في جل المكاتبات والدواوين، وعليها اعتماد وثيق إذا ضبطت بعناية ونفي عنها التصحيف والتحريف وتشابه الأسماء ضبطاً وربطاً.
و(الجزلاء) المتحدث عنها تختلف صقعاً وجهة عمَّا ورد في معجم البكري، ولا شك أن إيراد قشير علامة فاصلة ولعل هذه الجزلاء سقطت سهواً، أو سبق يد في الكتابة ولا شك أن ما حول المدينة -طيَّب الله ثرى ساكنها- يحظى بالعناية، وقد بذل الأوائل والمحدثون ما يشكرون عليه إلا أن التحقيق المبرهن على محتوى له واقع ملموس مطلوب بعناية، وعرضه ينير ويرفد الجهود المترامية في تحقيق التراث العتيق في ظل النهضة الشاملة والسياحة الواعدة ضمن اهتمام الحكومة الرشيدة، والثقافية الغرّاء حاملة لواء النشر على ال أشهاد في حلة قشيبة ومقاربات يتردد صداها.
ولإثبات صحة تداول اسم الجزلاء قال الشاعر عبدالله الحرّاشي الرجباني الدوسري، المعروف بالدندان؛ لكثرة تناوله الغطرفة الجميلة، رحمه الله:
ترسخ الجزلاء على السيف والماء والحمر
والمحدّش والمصبّب رقيق ثيابها
وهذه ألفاظ بدوية ضمن الشعر الشعبي لها قيمة محلية في مناطق البادية، وقد يفهم معانيها من لهم اطلاع على أشعار بادية الجزيرة، وسوف نقارب -بإذن الله- في أطاريح قادمة ما يثبت وجود (قشير) في تلك الجهات بطروح على مواضع لا تزال ثابتة المعرفة ضمن الأدب العربي والمعاجم والطبوغرافية المعاصرة؛ حتى يتواصل الماضي بالحاضر. وأخيراً للجزلاء صلة وثيقة بقصة شهيرة وقعت في (العقيق) بين بني عُقيل وتشعبت أحداثها في مواضع عديدة سوف يرد كل منها منجما بإذن الله.
** **
تركي بن شجاع بن تركي الخريم - باحث تراث في المواضع الجغرافية والقبائل
Turki11_88@