حاورته - طفلة النفيعي:
في زمنٍ تتسارع فيه الإيقاعات وتتقلّص فيه مساحة التأمل، تبقى الصالونات الثقافية فضاءً رحبًا يحتفي بالفكر والإبداع، ويمنح الكلمة حضورها العميق.
ومن هذا الإيمان وُلد (اسم الصالون) ليعيد للّقاء الثقافي دفئه الإنساني، جامعًا أطياف الفكر والأدب والفن في حوارٍ راقٍ يُثري الوعي ويصنع الأثر.
ويقف وراء هذه التجربة مؤسِّس الصالون أ.وليد العميل، الذي جمع بين الشغف والمعرفة والرغبة في العطاء، ليقدِّم نموذجًا ثقافيًا يوازن بين الأصالة والتجديد.
وفي هذا الحوار لـ«صحيفة الجزيرة الثقافية»، ترافق «الثقافية» الأستاذ: وليد العميل، مؤسِّس صالون ضاد الثقافي، في رحلةٍ تمتد من البدايات إلى الرؤية، مرورًا بالتجربة، وصولًا إلى التفاصيل التي صاغت حضور هذا الصالون الملهِم ومنحته دوره كمنبر حيّ للحوار والإلهام.
دعنا نبدأ من الفكرة.. كيف وُلد صالون ضاد الثقافي، وما الذي دفعك إلى إطلاقه؟
بدأت الملامح الأولى للفكرة في أيام الحجر خلال جائحة كورونا حين كانت العزلة ثقيلة والقلوب تبحث عن متنفس كنتُ أنا وأخي خزام الشهراني -رحمه الله- نقضي ساعات طويلة على الهاتف نتحدث عن الكتب ونغوص في موضوعات ثقافية مختلفة وكان ذلك الحوار اليومي نافذتنا على العالم وجرعتنا من الطمأنينة وسط الضجيج من تلك اللحظات البسيطة وُلدت الفكرة ملتقى يجمع عشّاق القراءة يلتقون افتراضياً يمارسون شغفهم ويخففون وحشة العزلة عن بعضهم.
ما الرؤية التي كنت تحلم بتحقيقها من خلال هذا الصالون؟
أن نكون روّادًا في نشر الثقافة والمعرفة وتعزيز العمل التطوعي وبناء مجتمع مثقف محبّ للقراءة والاطلاع يؤمن بحرية الفكر ويحتفي بالاختلاف باعتباره مصدرًا للإثراء وتنوّع وجهات النظر.
هل جاء تأسيس الصالون استجابة لحاجة ثقافية رأيتها في المجتمع؟
نعم.. في وقت كانت فيه أغلب التجمعات الثقافية تدور في أُطر نخبوية أو أكاديمية محدودة شعرتُ بأن هناك مساحة شاسعة ما زالت خالية مساحة ينتظرها الشباب واليافعون ليجدوا فيها صوتهم وفرصتهم للقراءة والحوار ومن هنا وُلدت فكرة ضاد حاضنة ثقافية مفتوحة تُشعِل شغف المعرفة وتستقبل كل من يؤمن بأن الثقافة حقّ للجميع لا امتياز لفئة دون أخرى.
ما العقبات التي واجهتكم في بداية الانطلاقة لصالون ضاد الثقافي؟ ومن وقف إلى جانبك في خطوات التأسيس الأولى؟
أولى العقبات كانت اللقاء الافتراضي ففي ذلك الوقت لم تكن هذه الفكرة مألوفة ولم تحظَ بقبولٍ واسع لدى الجمهور لكن مع التحوّل الكبير الذي تفرضه الجائحة حين انتقلت الدراسة والعمل والملتقيات والمؤتمرات إلى الفضاء الرقمي أصبح هذا النمط أقرب وأيسر فتهيأ له الناس وتقبّلوه، بل أصبح بوابةً أساسية لانتشار ضاد ووصوله إلى جمهورٍ أوسع من المهتمين بالشأن الثقافي.
أما عن السند الحقيقي في تلك البدايات فكان أخي وصديقي خزام -رحمه الله- فقد كانت فكرة ضاد وتأسيسه ثم خطواته الأولى عملاً مشتركًا بيننا.. ولا أنسى بعد ذلك وجود الأخت فائزة أحمد، وفريقنا المميز في ضاد الذين كانوا شركاء الحلم منذ اللحظة الأولى وحتى اليوم.
لكل مشروع هوية.. كيف تصف هوية صالونكم الثقافي وما يميِّزه عن غيره؟
صالون ضاد يتبنى هوية ثقافية منفتحة ومرنة تهدف إلى احتضان الطاقات الشابة وإشراكها في صناعة المعرفة ما يميِّزنا هو تركيزنا على بناء مجتمع ثقافي حيّ يُشعر المنتسب إليه بالانتماء والتمكين بعيدًا عن الإطار النخبوي التقليدي نُقدّم محتوى متنوعًا وفعاليات تفاعلية ومنصّة تتيح للأصوات الجديدة أن تُسمع وتُحتفى.
الصالونات الثقافية عادةً مرآة لروح المكان.. كيف يعكس صالونكم نبض المجتمع المحلي؟
صالون ضاد يعكس نبض المجتمع المحلي لأنه لم يكتفِ بأن يكون منصة افتراضية أو تجمعًا نخبويًا، بل خرج إلى الناس في أماكنهم وصلنا إلى المدارس والكليات لنشعل شغف القراءة لدى الطلاب وإلى المستشفيات لنقدّم للمرضى لحظات إنسانية تُخفف ثقل الأيام وإلى الحدائق والمساحات العامة لنصنع ثقافة حرة وقريبة من الجميع.
هذه الرحلة بين مرافق المجتمع المختلفة جعلت (ضاد) جزءًا من تفاصيل الحياة اليومية ومكانًا يلتقي فيه الوعي بالشغف نحن نقرأ من قلب المجتمع ونكبر معه ونعبّر عن أسئلته وتطلعاته وهذا ما يجعل هويتنا الثقافية انعكاسًا صادقًا لروح المكان.
ما نوع الموضوعات التي تحرصون على طرحها في لقاءاتكم؟
نحرص في (ضاد) على طرح موضوعات تمسُّ جوهر الإنسان وثقافته، نناقش الكتب بمختلف أنواعها من الرواية والفلسفة إلى التنمية والفكر ونفتح باب الحوار حول قضايا المجتمع والأسئلة الثقافية الراهنة وتجارب الإبداع ونستضيف شخصيات ملهمة تقدّم رؤى جديدة للشباب.
نؤمن أن الثقافة ليست حوارًا حول النصوص فقط، بل حول الحياة نفسها لذلك نتعمّد تنويع موضوعاتنا لتبقى قريبة من اهتمامات الجيل وملامسة لوعي المجتمع.
حدثنا عن أمسية أو لقاء شعرتَ أنه نقطة تحوّل في مسيرة الصالون؟
كل لقاء هو نقطة تحول ونجاح يضاف إلى إنجازات (ضاد)، لكن هنالك لقاءات افتراضية وحضورية كانت أكثر تأثيراً لدى الحضور أذكر منها استضافة: د.سعيد السريحي وجلال برجس من الأردن، ود.عماد رشاد من مصر، ود.سعد البازعي، والعديد من الكتَّاب.
كيف تتعاملون مع تنوّع الآراء واختلاف الرؤى داخل الصالون؟
في ضاد نؤمن أن اختلاف الآراء ثراء وأن تنوّع الرؤى هو ما يصنع المعنى الحقيقي للحوار لذلك نتعامل مع كل رأي بوصفه فرصة لفهم أعمق لا مجالًا للخصومة أو الجدل العقيم.
نضع دائمًا مساحات آمنة للحوار يُسمع فيها الجميع باحترام ونُرسّخ ثقافة الإصغاء قبل الرد وحين تتقاطع الأفكار أو تختلف نحرص على إدارة النقاش بوعي وهدوء ليبقى الحوار راقيًا ويخرج الجميع منه برؤية أوسع لا بانقسام أكبر. هدفنا ليس توحيد الأصوات، بل الارتقاء بها.
في زمن السرعة والتقنية، ما الدور الذي تلعبه وسائل التواصل في دعم رسالتكم الثقافية؟
منحتنا التقنية القدرة على أن نكون أقرب وأن نجعل الثقافة جزءًا من يوم الناس لا حدثًا بعيدًا عنهم.
كيف تقيّم حضور الشباب والمواهب الجديدة في أنشطة الصالون؟
الشباب في صالون ضاد حاضرون بقوة، ونحن نعتزّ بأن مقاعد اللقاءات تضم أطيافًا من مختلف الأعمار.
وخلال الفترة الأخيرة أكّد لنا إطلاق مبادرة روّاد (ضاد) حجم الشغف الحقيقي لدى الجيل الجديد، إذ أظهر الشباب إبداعًا لافتًا وحماسًا عاليًا وقدرة مدهشة على طرح الأفكار وصناعة المحتوى الثقافي.
هذا التنوّع العمري هو قوة (ضاد) وهو ما يجعلنا نؤمن بأن المستقبل الثقافي في أيدٍ محبّة للمعرفة ومتعطّشة للتعلم.
ما الإنجازات أو اللحظات التي تشعر تجاهها بالفخر منذ انطلاق الصالون؟
«لحظات الفخر في (ضاد) كثيرة.. تبدأ من رسائل المتابعين التي وصلت من كل أرجاء الوطن العربي، وتشهد على أثر قرائي وثقافي يتّسع يومًا بعد يوم. ثم كانت محطة ملتقى الأدباء بأبها تلتها مشاركتنا في معرض الرياض الدولي للكتاب ثم مشاركتنا في مجلس قراءات بجامعة الملك سعود.
وتوَّجت هذه المسيرة بأبهى إنجازاتها حصول (ضاد) كأول نادٍ ثقافي على جائزة الشريك الأدبي مسار الأندية الثقافية هي لحظة أكدت أن الفكرة التي وُلدت من الشغف أصبحت اليوم أثرًا يُحتفى به.
هل نسج الصالون شراكات مع مؤسسات ثقافية أو تعليمية لدعم أنشطته؟
نعم.. نسج الصالون خلال مسيرته شراكات عديدة مع جهات ثقافية تعليمية وكان لها أثر ملموس في توسيع دائرة النشاط.
كيف ترى مستقبل الصالونات الثقافية في ظل التحولات الحالية في المشهد الثقافي؟
مستقبل الصالونات الثقافية واعد فوسط تحوّلات المشهد الثقافي تبقى هذه الصالونات مساحة حيَّة للحوار والمعرفة تتكيَّف مع التقنية دون أن تفقد جوهرها وتظل قادرة على استقطاب الأجيال الجديدة وصناعة أثر حقيقي في المجتمع.
ما طموحاتكم في توسيع أثر الصالون ونطاقه؟
نطمح إلى توسيع أثر الصالون ليصل إلى شرائح أوسع عبر حضور أكبر في المدارس والجامعات وإطلاق مبادرات تُنمّي شغف القراءة لدى الأجيال الجديدة وترسيخ حضور (ضاد) كمنصة فاعلة في المشهد الثقافي داخل المملكة وخارجها.
أخيرًا.. ما الرسالة التي تودّ توجيهها لكل من يحمل شغفًا بالثقافة ويرغب في إحياء مثل هذه المبادرات؟
ابدأ بخطوة صغيرة.. فالمشاريع الثقافية تولد من شغف صادق لا من إمكانات كبيرة شارك فكرتك.. كوِّن فريقك.. وامنح صوتك فرصة ليُسمع فالثقافة لا تزدهر إلا حين ينهض بها أهل الشغف.