الثقافية - علي بن سعد القحطاني:
تمضي الفنانة فدوى المالكي في مشروع غنائي يعيد الاعتبار للقصيدة العربية بوصفها طاقة جمالية لا تنفد، مستعيدةً حضور الفصحى في فضاء الطرب، ومتجاوزة رهان السهل والخفيف الذي يسيطر على الذائقة المعاصرة. ومن المتنبي إلى مالك بن الريب، تتقدّم المالكي نحو نصوص مهيبة، وتغامر بتقديمها بصوت يستند إلى وعي وقراءة وتأمل.
وفي حديثها لـ»الثقافية»، تكشف المالكي كيف واجهت رهبة «واحرّ قلباه»، وكيف اقتربت من حزن مالك بن الريب وصدقه الإنساني، مؤكدةً أن الأداء لا يكتمل إلا حين يتناغم مع عمق النص، وأن اللحن الناجح هو ما يفسح للقصيدة مجالها دون أن يطغى عليها.
أمّا علاقتها بالفصحى، فتراها امتدادًا وجدانيًا متجذّرًا في تكوينها الفني؛ لغةً تفكّر بها، وتستمدّ منها نسغًا من التاريخ والرقي، وتجد فيها فسحة واسعة للإبداع. وتؤكد المالكي أن مشروعها في غناء النص الفصيح مستمر، وأن جمهور هذا اللون يتسع يومًا بعد يوم، في ظل تذوّق جادّ ينتظر الجديد.
واحر قلباه
كيف ترون خوض فدوى المالكي تجربة غناء «واحرّ قلباه» للمتنبي، بما في النص من ثراء وعمق؟ وهل نجح اللحن في مجاراة قوة القصيدة، وما الإضافة التي منحها الأداء حين تحوّل الشعر من قراءة إلى طرب؟
شكراً لكم على الاستضافة. سعدتُ جدًا بغناء قصيدة «واحرّ قلباه» لأنها من عيون الشعر العربي. وأحببتُ كثيرًا تجسيد معاني الأبيات باللحن ثم بصوتي. لحن القصيدة تغلغل في معانيها: من فخرٍ وغرورٍ واعتزاز.
أمّا بالنسبة لأدائي فلستُ مُخوّلة لأن أحكم على نفسي، ولكنني بذلتُ كلّ ما أُوتيتُ من جهدٍ لإيصال ما قصده المتنبي شعرًا بصوتي شَدوًا.
قصيدة مالك بن الريب
كيف تفسّرين خوضكِ تجربة غناء قصيدة مالك بن الريب، وهي من أكثر المراثي عمقًا وحزنًا في الشعر العربي؟ وهل كان اللحن قادرًا على احتواء شجن النص وصدقه الإنساني دون أن يطغى عليه التطريب؟
هذه القصيدة تحمل حزنًا دفينًا وعميقًا جدًا وقوة شخصية في الوقت نفسه، أعتقد أننا غصنا في أعماق الشاعر وتجربته موسيقيًا وغنائيًا.
حديث الوالد
كيف غيّر حديث والدك نظرتك لفكرة الغناء حين قال لكِ: إن وراء الأغنية شاعراً وملحناً وموزعاً؟ وهل كان لهذا التوضيح دور في نضجك الفني المبكر؟
طبعًا ارتحتُ كثيرًا لأنني فرحتُ بعدم توجّب توفر موهبة الشعر والتلحين في شخصيتي. فركّزتُ على صوتي وعلى غنائي لأشعار وألحان المبدعين الآخرين.
عالم الرقي والفصاحة
قدمتِ أكثر من أغنية بالفصحى، وهو خيار ليس سهلًا في زمن تميل فيه الذائقة إلى السريع والخفيف. ما الذي يجذبك إلى النص الفصيح؟
هل تصدّقني إذا قلتُ لك إنني كثيرًا ما أفكّر وأحدّث نفسي باللغة العربية الفصحى! أشعر في الفصحى بعالم من الرقي والتاريخ العربي العظيم، بالإضافة إلى إعجاز لغة الضاد على جميع مستويات الإبداع الشعرية والنثرية أيضًا.
موسوعة الطرب
فدوى، تمتلكين لونًا طربيًا صافيًا، ما زال وفيًّا لجوهر المدرسة الكلاسيكية. كيف تشكّل هذا الذوق لديك؟
هذا الذوق يتشكّل بموسوعية الاستماع منذ الطفولة.
المدرسة الكلثومية
هل أثّر إعجابك الشديد بأم كلثوم على طريقة أدائك؟ وهل تقعين أحيانًا في فخ «التقليد العاطفي» للمدرسة الكلثومية، أم أنكِ حريصة على الحفاظ على هويتك الخاصة؟
جاء إعجابي بأم كلثوم من كونها مدرسة قائمة بذاتها في فن الغناء؛ فإلى جانب صوتها الفريد والاستثنائي، تنبسط تجربتها على أرضٍ صلبة من حُسن الاختيار، ورفعة الشعر واللحن في عصرها، فضلًا عن نُخبوية جمهورها الذي صاغ ذائقة مرحلة كاملة. أمّا أنا، فقد تَشكَّلت شخصيتي الغنائية منذ نعومة أظفاري، دون تكلّف أو سعي، إذ نشأت فطرية خالصة تعبّر عني كما أنا.
ممدوح الجبالي
تردد أن لكِ مشاريع قادمة غنائية بالفصحى. هل تكشفين لنا شيئًا منها؟
مشروع الفصحى لا يتوقف بإذن الله، لأنه مسار بدأتُه ونجحتُ في استقطاب جمهور عريض يتابع جديدي في هذا المجال. وأنا ممتنّة لهذا الجمهور الوفيّ الذوّاق، وسأظلّ أفكّر في تقديم الجديد له دومًا، مع الشكر والتقدير للملحن د. ممدوح الجبالي، شريك النجاح في كلّ القصائد التي غنيتُها.
** **
- @ali_s_alq