الثقافية - كتب:
صدر كتاب: جميل البارودي سيد الأمم، للزميل الأديب محمد بن عبدالله السيف، رئيس تحرير المجلة العربية، الذي كشف سبب تأليفه هذا الكتاب بقوله: «على مدى ثلاثة عقود حقق جميل البارودي حضورًا لافتاً، غدا به واجهة وعنواناً للمنظمة الدولية؛ هيئة الأمم المتحدة، خاصةً في عقدي الستينيات والسبعينيات الميلادية، عبر خطاباته التي طالما اتسمت بالحدَّة، وبالبلاغة؛ فصنّف أفصح خطباء المنبر الدولي. ومع هذه المكانة التي تبوأها دوليًا لم يحظ باهتمام الباحثين، بما يتناسب مع شهرته الواسعة؛ ولم تُسلّط الأضواء على مسيرته الغامضة في بعض جوانبها، الخاصة على وجه التحديد.
في عام 1905م وُلِد جميل البارودي في بلدة سوق الغرب في جبل لبنان. وفي عام 1906م، وُلِد في مدينة الرياض الأمير فيصل بن عبدالعزيز، في العام الذي حقق فيه والده المؤسس الملك عبدالعزيز آل سعود انتصارًا مؤزراً ومبيناً في طريق انتصاراته المتتالية.
وفي عام 1939م، التقى الأمير فيصل وجميل البارودي في لندن. ومنذ ذلك الحين، وعلى امتداد أربعين عاماً، انتظمت علاقة وطيدة بين الأمير فيصل وجميل لم تنته إلا بموت الفيصل عام 1975م، على نحو شكَّل صدمة عنيفة وأثرًا عميقاً ووقعاً كبيرًا على قلب جميل البارودي، الذي صحب الملك فيصل خلال رحلة دبلوماسية مثيرة ومميزة، وثقت صداقتهما القائمة على أساس من ثقة الملك الراحل، وإيمانه بمواهب جميل، الذي عزَّز العلاقة، هو الآخر، بإخلاصه وتفانيه في كل ما أسنده إليه الفيصل، من مهام منذ أن أخذه بيده وقدمه إلى العالم أجمع وجهاً دبلوماسيًا سخَّر مواهبه في خدمة المصالح السعودية، والدفاع عن القضايا العربية. حتى لفظ أنفاسه الأخيرة في مارس 1979م في مستشفى لينوكس هيل في نيويورك، بعد أربعة أعوام من وفاة الملك فيصل في مارس 1975م. فجاءت الأقدار بوفاة الصديقين معاً في مارس.
اشتهر جميل البارودي بفصاحته وانفجاراته الجريئة والصريحة، دفاعًا عن القضايا الإنسانية العادلة. وأصبح حديثا للصحافة العربية والأجنبية، مما جعلني أمضي وقتاً طويلاً، أبحث عن كل شاردة وواردة تخصه، فيما أطالعه من كتب ومن أرشيفات الصحافة المحلية والعربية، رغبة في الكتابة عنه والتعريف بجهوده وأعماله، ومجمل سيرة حياته. ومن بين ما طالعت من المواد الصحافية عن نشاطه، تحصلت على معلومات جد مهمة عن محطات فاصلة في حياته، تضمنها حواره الفريد المنشور بجريدة «النهار» عام 1971م - أمدني به مشكوراً الصديق الكاتب السياسي والباحث المنقب لطفي فؤاد نعمان وتغطي بشكل خاص العقد الذي أمضاه بين بريطانيا وفرنسا قبل أن ينتقل إلى أميركا.
ولما نشرت في «المجلة العربية»، ديسمبر 2024م، «بروفايل» بعنوان «جميل البارودي: مندوب السعودية وأفصح خطباء الأمم المتحدة»، تلقيتُ عدة اتصالات من بعض الأصدقاء الذين تمنوا علي تطوير العمل وتحويله إلى كتاب، فباشرت العمل عليه، بدءًا من ظروف نشأته في بلدته سوق الغرب ثم في بيروت، تعليمه وتأهيله، ودور والده الصيدلي والقانوني مراد البارودي في نشأته الأولى، إذ لم تمتد علاقته مع أبيه طويلاً، فقد توفي وهو في الثالثة عشرة من عمره، لكن تأثير الأب كان كبيراً في مسار حياة ابنه.
عرضت في السيرة البارودية قصة اللقاء الأول الذي جمعه بالأمير (الملك) فيصل بن عبدالعزيز في لندن، وما تلاه من أحداث غيَّرت مسار حياته، ونقلته من مهنة تاجر إلى دبلوماسي في أهم منظمة دولية، يمضى ثلاثة عقود متتالية في ردهاتها، ويصبح أقدم العاملين فيها، وأكثرهم خبرةً ومعرفةً بدهاليزها وتاريخها. ومع مرور الوقت يكون نجمها الأول حتى انطفائه.
ليس من قبيل المبالغة القول إن شهرته، مندوباً للمملكة العربية السعودية طغت في فترات زمنية على شهرة بعض أمناء المنظمة، وقد عاصر أربعة منهم، وهو ما لم يتوافر لغيره من مشاهير العاملين بالمبنى الأزرق الشامخ في نيويورك. ناهيك عن ذيوع صيته على صيت كثير من مندوبي الدول، حتى صار سيّد الأمم المتحدة، حسب شهادة الدكتور حازم نسيبة، المنشورة في تضاعيف هذه السيرة، واخترتُ هذا اللقب عنوانًا لهذه السيرة.
سيطالع قارئ هذه السيرة جوانب من شخصية حادة وجادة في أحايين كثيرة، وساخرة حيناً. شخصية صادقة، لا تقبل الزيف، واضحة وصريحة إلى أبعد الحدود. وسيتبين أني حاولت الإجابة عن تساؤلات تخص خلفيته العائلية والعملية مثل: من هي أسرة البارودي، وكيف سارت حياته وتطورت طيلة عقود عمله؟ وما أبرز الجهود التي نهض بها في المنظمة الدولية؟ والقضايا والمواقف التي تسيّد بها المشهد في أروقة هيئة الأمم المتحدة؟ وما هي تعليقات مجايليه العرب وغير العرب؟
الأصدقاء وخلال عملي على هذا الكتاب كان لعدد من المهتمين والباحثين أن أمدوني بما لديهم من معلومات ومراجع وقصاصات حافية غدت مضمون الكتاب، منهم الأصدقاء: على العميم، ولطفي فؤاد نعمان وعبدالعزيز الخضر، وعقل العقل، وداود شارل، قرم فلهم مني وافر الشكر والتقدير. والشكر، أيضًا للمندوب السعودي الدائم لدى هيئة الأمم أمم المتحدة المتحدة الدكتور عبدالعزيز الواصل على تفضله بالإجابة عن تساؤلاتي.
وحفظاً للحقوق، فإن أغلب الصور المنشورة في الكتاب، خاصة ما يتعلق منها بعمل جميل البارودي في المنظمة الدولية، حصلت عليها من موقع هيئة الأمم المتحدة على الإنترنت، وبعضها من موقع مكتبة الكونغرس.
أخيرًا لا أزعم أني أوفيت الرجل حقه، بل أعطيته شيئًا مما يستحقه، جزاء ما قدم وبذل نصرة لقضايا عادلة وخدمة لبلد لا ينسى أبداً رجاله المخلصين».
وصدر هذا الكتاب الثمين من دار جداول، لينتظم مع سابقيه، فهذه الإصدارات التي يقدمها السيف للمكتبة العربية جزء حي من ذاكرة العرب وثقافتهم.