الثقافية - علي القحطاني:
في عوالم تتقاطع فيها الفنتازيا مع النفس، والرعب مع الرومانسية، تطل علينا الكاتبة والروائية نادية الشهري بوصفها واحدة من الأصوات النسائية في المشهد الثقافي والأدبي. هي ليست فقط روائية متعددة الأبعاد، بل شخصية موسوعية جمعت بين الإبداع الفني والتأهيل النفسي تنقلك من دفاتر الكتابة إلى إستديوهات الدبلجة..
عُرفت الشهري برواياتها الجريئة في عالم الرعب والفنتازيا مثل «جمنون» و»بيزارو وقراصنة البحر»، والتي شقت طريقها إلى قوائم الأكثر مبيعاً وحققت حضوراً لافتاً في المكتبات والمناهج التعليمية، إضافة إلى نجاحها كمدبلجة لصوتيات الأطفال والأنمي، حيث شاركت مؤخرًا في عمل سعودي بارز عُرض في رمضان 2025.
في هذا اللقاء لـ«الثقافية» تتناول د. نادية الشهري مسيرتها في الكتابة، وأهم أعمالها الأدبية، والمشاريع التي تعمل عليها حالياً، مع حديثها عن رؤيتها لكتابة الفنتازيا والرعب، ودور الخيال في تشكيل التجربة السردية، مشيرة إلى أن الكتابة بالنسبة لها ليست مجرد حكاية، بل بناء متكامل لعالم يلامس الوجدان ويثير التفكير.
الفنتازيا
ما الذي يجذبك إلى الكتابة في مجال الرعب والفنتازيا؟
ما تقرأه وتشاهده في السينما غالبًا ما يتحول إلى مصدر إلهام لما تكتبه عندما تكون كاتبًا. وعندما تمتلك خيالًا متقدًا، تصبح قادرًا على الدخول إلى هذا النوع الأدبي الذي يتطلب تفعيل المخيلة بأقصى طاقتها، لخلق أحداث مشوّقة، وإثارة تشد القارئ وتدفعه إلى التفاعل والانغماس، حتى يكاد قلبه يخفق رعبًا في المشاهد المخيفة.
أصداء رواية «جمنون 2»
كيف كانت أصداء رواية «جمنون 2» بعد تدشينها، وما مدى التفاعل الجماهيري معها؟
حقق الجزء الأول من «جمنون» نجاحًا لافتًا، حيث كان من الكتب الأكثر مبيعًا في مكتبة جرير، ومكتبة الأدب العربي، وسابقًا في سلسلة «ذات السلاسل». وبناءً على طلبات القرّاء، جاءت كتابة الجزء الثاني، الذي واصل بدوره مسيرة النجاح، إذ تصدّر قوائم المبيعات منذ صدوره في نهاية فبراير عبر مكتبة «أدب بوك»، ثم عند توفره لاحقًا في مكتبات جرير. وقد شكل الجزآن معًا تجربة ناجحة ومحبوبة لدى القراء، وأصبحا من الأعمال التي حققت حضورًا واسعًا وتداولًا ملحوظًا على المنصات، بفضل جمهور وفيّ أظهر حبًا عميقًا للرواية وتفاعلًا ذوقيًا مميزًا. وكان حفل التدشين مناسبة مبهجة لي ككاتبة، وللقراء الذين أضفوا عليه طابعًا خاصًا.
كتابة السيناريو والسينما
هل هناك جزء ثالث قادم من سلسلة «جمنون»؟ ومتى يمكن أن يُطرح؟
تلقّيت مطالبات كثيرة من القرّاء بكتابة جزء ثالث وجزء رابع من «جمنون»، لكنني في الوقت الحالي منشغلة بمجال كتابة السيناريو والعمل التلفزيوني والسينمائي، لذلك حرصت على أن تكون نهاية الجزء الثاني نهاية مرضية ومفتوحة، بحيث يمكن أن تُعدّ ختامًا للسلسلة أو تمهيدًا لاستمرارها. ومع ذلك، أعتقد أنني سأعود لكتابة الجزء الثالث خلال العام المقبل، فقد اشتقت إلى الغوص مجددًا في عوالم هذه الملحمة العاطفية. نهاية جمنون 2 تتيح للقارئ الانتظار دون شعور بالانقطاع، لأنها مشبعة من حيث البناء السردي، لكنها تترك في داخله فضولًا واستعدادًا لتخيّل ما قد يأتي لاحقًا.
الشباب وأدب الفنتازيا
هل ترين أن الإقبال على روايات الرعب والفنتازيا قد ازداد في الفترة الأخيرة؟
نعم، في المملكة العربية السعودية بات القارئ أكثر شغفًا بالقصص الغريبة والمرعبة وأدب الفنتازيا، لما تحمله من خيال واسع يبعده عن الواقع ويمنحه تجربة سردية مختلفة. وقد انعكس هذا التوجه على اهتمام دور النشر، التي أصبحت تولي أهمية متزايدة لهذا النوع الأدبي استجابة للإقبال المتنامي من فئة الشباب
روايات عوالم ناديا
هل يُعدّ أدب الرعب والفنتازيا الأقرب إليكِ، رغم تنوع كتاباتك في مجالات أخرى و لديك روايات أخرى رومانسية ودرامية لا علاقة لها بالرعب؟
أجد أن أدب الرعب والفنتازيا هو الأقرب إلى قلبي، لما فيه من إثارة وتشويق وقدرة على شدّ أنفاس القارئ، رغم أنني أستمتع أيضًا بكتابة المشاهد العاطفية بعمق، إذ إن المشاعر تبلغ ذروتها في حالتي الحب والرعب. هذا التداخل هو ما دفعني إلى تصنيف أعمالي ضمن سلسلة «روايات عوالم ناديا – عوالم ال حب والرعب بين يديك».
أكتب في أكثر من نوع أدبي، ما يتيح لكل قارئ أن يجد ما يناسب ذائقته، سواء أكان يفضل القصص الواقعية والدرامية كما في رواية زائرة منتصف الليل، التي تتناول قصة فتاة هاربة من الحرب السورية إلى مصر لوالدٍ لا يعترف بها، في سرد رومانسي تراجيدي، أو كان من محبّي العوالم الخيالية كما في «جمنون» التي تنتمي إلى أدب الرعب والفنتازيا والعشق الممنوع، أو» بيزارو وقراصنة البحر» التي تمزج بين الفنتازيا والمغامرة والتاريخ.
سلسلة «بيزارو وقراصنة البحر»
ما الذي يميز سلسلة «بيزارو وقراصنة البحر» عن غيرها؟ وكيف ترين حضورها في تجربتك الإبداعية؟
تُعد سلسلة بيزارو وقراصنة البحر من أوائل الأعمال الأدبية الموجهة للقارئ الناشئ – من الأطفال الكبار والمراهقين – في المنطقة، كما أنها أول قصة تتناول عالم القراصنة العرب على مستوى العالم. وصلت السلسلة إلى القائمة القصيرة لجائزة اتصال الإمارات، وجرى تضمينها سابقًا ضمن مناهج اللغة العربية في مدارس مختارة بأبو ظبي وبيروت، وكذلك في جامعة الملك عبد العزيز بجدة.
وفي الوقت الراهن، تم جمع الأجزاء الستة السابقة مع الجزء السابع في مجلد واحد يُدرّس ضمن مناهج اللغة العربية في أكاديمية «وعد» بجدة للبنين والبنات. وتتميز السلسلة بتكاملها الفني، حيث أُرفقت برسومات جاذبة تُعزز التجربة البصرية والسردية للقارئ.
أعتز كثيرًا بهذا العمل الذي يجمع بين المغامرة، والفنتازيا، والأساطير، وتاريخ الأندلس القديم، وأطمح أن تتحول هذه السلسلة إلى عمل انميشن مميز يُضاهي الإنتاجات اليابانية، وهو ما يتطلب دعمًا من جهة إنتاجية مؤمنة بأهمية هذا المشروع.
عالم الدبلجة
كيف بدأت تجربتك في عالم الدبلجة، وكيف تطورت مسيرتك فيه حتى اليوم؟
بدأت علاقتي بعالم الدبلجة منذ الطفولة، حين كنت أتابع أعمال الانميشن وأقلّد أصوات الشخصيات، وهو ما شكّل البذرة الأولى لشغفي بهذا المجال. وفي عام 2017، نظّمت الفنانة القديرة سعاد جواد مسابقة لاكتشاف الأصوات والمواهب الشابة في العالم العربي، وكنت من المحظوظين الذين انضموا إلى فريقها، الذي ضم نخبة من الموهوبين في مجالات الدبلجة، والكتابة، والرسم، والإخراج من مختلف الدول العربية.
ومنذ تلك اللحظة، بدأت رحلتي الفعلية في هذا المجال، حيث راكمت خبرة تمتد لثماني سنوات، أثمرت عن مشاركات متعددة في أعمال موجهة للأطفال، سواء في الأداء الصوتي أو في الكتابة. وكان من بين هذه الأعمال مشاركتي في دبلجة أنمي سعودي عُرض في رمضان 2025 بعنوان» طقطق وأخوشما» من تأليف وإخراج خالد الفلاج، وبُث عبر قناة SBC كما عُرض على منصة «شاهد»، وشارك فيه عدد من الفنانين المميزين، من بينهم الفنان القدير مرزوق الغامدي.
دبلجة «طقطق وأخوشما»
كيف تختلف تجربتك في دبلجة «طقطق وأخوشما» عن أعمال الأنميشن الأخرى التي قمتِ بدبلجتها؟
تجربة الدبلجة في» طقطق وأخوشما «كانت مختلفة تمامًا عن الأعمال السابقة التي شاركت فيها، مثل الأنمي الياباني أو الروسي، والتي عادة ما تتم دبلجتها إلى اللغة العربية الفصحى بعد اكتمال الرسوم. أما في «طقطق وأخوشما»، فقد تم تسجيل الأصوات قبل تنفيذ الرسوم الكرتونية، مما أتاح مساحة أكبر للإبداع والتعبير.
كما أن استخدام اللهجة العامية أضفى طابعًا من الفكاهة والعفوية، وعكس تنوع اللهجات المحلية داخل المملكة. ورغم ذلك، تبقى للغة العربية الفصحى خصوصيتها ونغمتها المميزة التي لا تشبه أي لغة أخرى.
الأعمال القادمة
ما جديدك في المجالين التلفزيوني والأدبي؟
قمتُ بكتابة مسلسل مستند إلى قصة حقيقية عن الجن، إلى جانب أعمال تلفزيونية أخرى قيد الإنجاز. وفي مجال النشر الورقي، أعمل حاليًا على إصدار كتاب جديد بالتعاون مع الكاتب عثمان الخزمري، لا يزال قيد التدقيق، كما أستعد لإصدار مجموعة قصصية قادمة. بالإضافة إلى ذلك، تتم حالياً إعادة طباعة رواياتي السابقة»: أزمة عروس»، «ضحايا الحب»،» لا أحد يفسد متعتي»، و»موت قبل الميلاد»، وذلك بالتعاون مع مركز الأدب العربي، وستصدر الطبعات الجديدة بشكل مزيد ومنقح.
** **
@ali_s_alq