«الثقافية» - كتب:
صدر كتاب: (أحمد الشيباني أو ذيبان الشمري سيرته فلسفته معاركه)، للزميل الأديب أ. محمد بن عبدالله السيف رئيس تحرير المجلة العربية، وقد صدر الكتاب عن دار جداول للنشر، وهذا الإصدار بطبعته الفاخرة يتتبع سيرة أحمد الشيباني، ليقف على أبرز محطاته العمرية، وفلسفته الحياتية، ليلقي الضوء على أبرز معاركه التي خاض غمارها، يقول المؤلف في هذا السياق: «لم أكن قد سمعتُ باسم أحمد الشيباني إلا مع اجتياح الجيش العراقي لدولة الكويت. ذلك الاجتياح الذي جعل مني ومن غيري من القراء قراء متابعين للمقالات والتحليلات السياسية والفكرية ذات الصلة بذلك الحدث التاريخي الكبير.
كنت وقتها في الحادية والعشرين، وكان من بين الأسماء التي استرعت اهتمامي بمقالاتها المتتالية عن صدام حسين هو أحمد الشيباني، عبر مقالات كان ينشرها في صحيفة «الرياض»، وهي مقالات كنتُ أكتفي منها بالقراءة العابرة واليسيرة. ذلك أنها مقالات عسيرة الهضم، ثقيلة المحتوى، كان يصعب علي فهمها واستيعاب كثير مما يرد فيها؛ لكننا، وفي دوامة وحمّى ذلك الحدث، كنا نتتبَّع ونقرأ كلَّ ما نتلقفه من مقالات تتناول صدام حسين. وقد كانت مقالات أحمد الشيباني، التي أسميتها في هذا الكتاب بـ «الصداميات»، هي من أوفى وأشمل المقالات التي تناولت صدام حسين؛ فكره، وشخصيته، ونفسيته، وتاريخه في حزب البعث.
بعد حين من الدهر، وقع بين يديَّ كتاب صادر عن النادي الأدبي في مدينة جدة، وعنوانه: «المتنبي شاعر مكارم الأخلاق»، للأديب اليمني أحمد الشامي، وبعد قراءته وجدته كتابًا يضم مقالات ردّ بها أحمد الشامي على أحمد الشيباني أو ذيبان الشمري وهو الاسم الذي استخدمه الشيباني في ردوده على أحمد الشامي)، فيما عُرف بـ «معركة المتنبي»، وقد كنتُ وقتها مولعاً بالمتنبي، قراءة لشعره، وحفظاً لفرائده، وتتبعاً لمسار حياته، ما بين الشام ومصر والعراق. وقد شغلني ولعي به آنذاك عن غيره من فحول الشعر العربي، إلى أن قرأتُ حوارًا مع الشيخ محمد متولي الشعراوي، في منتصف التسعينيات، وقد سُئل عن أشعر العرب؟ فقال: «الأحمدان أحمد شوقي وأحمد بن الحسين، ولولا الحياء لقلت شوقي وكفى»!
- ومع معرفتى التامة بموقف المصريين - خاصة المثقفين منهم - من المتنبي، إلا أن هذا القول من الشعراوي جعلني أراجع موقفي، فبدأت في قراءة وحفظ قصائد شعراء آخرين على رأسهم أحمد شوقي، الذي وجدته لا يقل شأناً عن المتنبي، فلسفة وثقافة، بل يتفوق عليه في اتساع دائرته الشعرية التي لم يحصرها في ذاته كالمتنبي، بل امتدت زمناً طويلاً من مولد الهُدى» إلى رفات عمر المختار». غير أن كتاب أحمد الشامي استوقفني، وحفزني على البحث عن مقالات أحمد الشيباني أو ذيبان الشمري، إذ لم يُضمن الشامي كتابه تلك المقالات!
ما كان الأمر يسيرًا، حينذاك، في الحصول على تلك المقالات، غير أنها كانت حاضرة في ذهني، فأخذتُ أجمع، على مدى سنين، ما يعترضني أو يتوفر لي، إلى أن تهيأت الأسباب، في وقت متأخر، فحصلت على مقالات ذيبان الشمري كاملةً. فكان المتنبي بذلك هو الطريق الذي عرفني على أحمد الشيباني، دون أي اهتمام مني أو رغبة حينذاك بمعرفة المزيد عنه، إنما فقط كنت حريصاً على مقالاته عن المتنبي، فلم أكن أعرف عنه غير ذلك.
بعد حلول العام 2000م، كنا مجموعة من الشباب ننشط في البحث والقراءة والمتابعة والسؤال. كنا نلتقي في المقاهى أو في المجالس، نتناقش في موضوعات الثقافة عامة؛ الفكر والأدب والتاريخ، والشعر، وكانت الصحوة الإسلاميّة حاضرة بكل تشدداتها وتحولاتها ومنعطفاتها. وكان بيننا شات طُلعة، يهيم بالقراءة، ويهتم بالفكر والسياسة، وقد شغله موضوع 6 أحمد الشيباني؛ فكره وتحولاته السياسية والفكرية، كما شغلنى. وكنا كثيرًا ما نتناقش حوله ونتساءل عن مسار حياته ورحلته الطويلة في دروب الفكر والثقافة والأدب والسياسة. كان ذلك الشاب المثقف هو معالي أخي الأستاذ سعود بن عبدالله القحطاني، الذي كان شغوفًا جدًا بالتاريخ والأدب والفكر والسياسة، وبالشعر النبطي، وكان نهماً في القراءة، يُسابق الوقت والخُطى في معرفة المزيد، وكنتُ أُعجب من قراءته السريعة، وهضمه واستيعابه لما في هذا الكتاب أو ذاك بسرعة لافتة للنظر. وفي نقاشاتنا كان يحفل بالفكر النقدي وبالتجديد الثقافي، ويُكبر المثقف الذي يتعامل مع الثقافة بوصفها دورًا ومسؤولية، لا وصفاً وتوصيفًا، فاعلية وتأثيرًا لا خزانة معارف وصندوق معلومات. وكانت له إسهاماته آنذاك في المجالات التي كان شغوفاً بها جداً عبر المنتديات، سواءً تلك التي أسّسها أو شارك فيها كاتبًا ومُعلّقاً، قبل أن يبدأ الكتابة عبر جريدة «الرياض».
وفي موضوع تساؤلاتنا عن أحمد الشيباني، كنا نلجأ إلى ركن ركين، إلى الصديق الزميل علي العميم، الذي أخذ يُفصّل لنا ويشرح التحولات التي مرَّ بها الشيباني، وزوّدنا بتفاصيل مهمة عن معاركه التي خاضها في الصحافة السعودية: معركة المتنبي مع أحمد الشامي، ثم معركة البنيوية مع عبدالله الغذامي وآخرين، وأخيرًا معركة هيغل مع تركي الحمد. ومضى يحدّثنا، أكثر من مرة، عن أهمية الشيباني وقيمته وعلو شأنه وكعبه، ووعدنا بكتابة مقالة مطولة عنه وعن تحولاته، وعن دوره في الثقافة العربية، والمحلية السعودية.
مضت تلك السنوات الجميلات، ولمَّا يزل أحمد الشيباني حاضراً في ذهني. وكنتُ أرى - طيلة تلك السنوات - أنَّ من الواجب عليَّ تقديمه، وهو المثقف السعودي الكبير، إلى القرّاء العرب والتعريف به وبما قدمه وأنجزه من مؤلفات ومترجمات قيّمة ومقالات في الفكر والسياسة والفلسفة والأدب، لو جمعت جميعها لصدرت في عشرات المجلدات الثمينات.
ذلك ما كان يعتمل في ذهني وتفكيري طوال سنوات. واليوم أقدم إلى القراء العرب هذا الكتاب: «أحمد الشيباني أو ذيبان الشمري: سيرته.. فلسفته.. معاركه»، تعريفاً موسعًا بسيرته، وبفلسفته، ومعاركه الثقافية، ومناقشاته، وأطروحاته الفكرية، وفاءً له وإنصافاً لدوره الكبير في الثقافة العربية، ترجمة وتأليفاً وإبداعًا، وتذكيرًا به لأجيال عربية، لم تسمع به من قبل، ولم تقرأ له، ولم تتعرَّف بعد على إرثه الفكري في التأليف وفي الترجمة، وعلى تحولاته الفكرية والسياسية، وعلى مسار حياته من نشأته الأولى، وهي حياة ثرية ومثيرة، كما سيطالع القارئ لهذا الكتاب.
أفردت الفصل الأول من هذا الكتاب لتتبع مسار حياته منذ مولده في صحراء الشام، ودراسته المبكرة في المدرسة الألمانية في القدس، ومن ثم انخراطه في العمل السياسي والحزبي، حينما انضم إلى «الحزب التعاوني الاشتراكي» بقيادة فيصل العسلي، وتأليفه لكتابه الأول: «الأهداف الاستعمارية وراء مشروع مارشال، وهو الكتاب الذي ألَّفه ولما يبلغ السادسة والعشرين من عمره، وناقشت لماذا أغفل أحمد الشيباني السبب الرئيس من وراء إقامة هذا المشروع؟ وهو تطويق المد الشيوعي من أن يصل إلى دول أوروبا الغربية.
مضيتُ معه في تتبع مسار تحولاته الفكرية والسياسية، حينما تحول من الاشتراكية الماركسية إلى القومية العربية الثورية، والتنظير لها، فكرًا وممارسةً، حيثُ أعمل جهده نحو تخطيط وإرساء دعائم لأيديولوجية قومية عربية، من خلال مؤلفاته التي ألفها ما بعد عام 1954م، ومن ثم استقراره في بيروت، في طريق غربته الطويل.
أيامها ولياليها، ثقافة وآدابًا، صحافة ونشرًا، فوجد فيها ما أغراه وشجعه نحو المزيد من الإبداع والتألّق الفكري والفلسفي، فحلق فيها مؤلفًا ومترجماً، لمدة خمس عشرة سنة، سطع فيها اسمه رمزًا ثقافيًا عربياً، بعد أن وجد فيها استقرارًا نفسياً افتقده فيما مضى من أعوام عاشها في معمعة التنظير الثوري القومي. وسيرتقي فيها عربيًا، فيلسوفاً ومترجمًا رفيعاً، حينما فاجأ الأوساط الثقافية بترجمته للكتاب ذائع الصيت والشهرة: نقد العقل المجرد» لمؤلفه عمانوئيل كانط.
وقفت مع أحمد الشيباني عند تحوّله الفكري والسياسي من القومية العربية إلى الفكر السياسي المحافظ، وإلى دول الاعتدال، التي قُطبها الرئيس السعودية وحلفائها في مواجهة الدول العربية الثورية، في زمن عربي اتسم بالثورات والمؤامرات والدسائس، وهي الفترة التي سيطلق عليها الشيباني تسميته الشهيرة لها بـ«حقبة العَبَث والجنون». وفي هذا الصدد، ناقشت المثقف السوري الماركسي بسام طيبي في موقفه من أحمد الشيباني، ووصمه له بالرجعية بعد إصداره لكتابه: الأخلاقية الثوروية والأخلاقية العربية»، وأنه - أي موقف طيبي - هو موقف كل المثقفين التقدميين من أولئك الذين تحولوا من الماركسية أو من القومية العربية إلى اليمين السياسي والفكري.
مع نشوب الحرب الأهلية في لبنان عام 1975م، انتقل أحمد الشيباني إلى مصر، وهي فترة غامضة في مسار حياته، ولم أجد لها أثرًا ذا أهمية في حياته، كتابة وترجمة، بيد أنها فترة لم تطل ، إذ لم يطب له المقام في مصر أثر النيل، خاصة بعد توقيع السادات لاتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل، مما على مزاجه، فواصل طريق غربته إلى مدينة جدة، غربي السعودية، لتكون هذه المدينة هي المحطة الأخيرة له في مشوار غربته ومنفاه، وفيها سيستعيد ألقه ووهجه، الذي عاشه في بيروت الستينيات، وسيُمضي فيها خمسة عشر عاماً شاهدة على تألقه وإبداعه وإنتاجه وعطائه، تأليفاً وكتابة في الصحف، كما سيكتسب فيها أو يستعيد جنسيته السعودية.
تميّزت مرحلة جدة في حياة الشيباني بالعطاء الغزير في الكتابة الصحافية، وفى دخوله في معارك ثقافية صحافية، ومناقشات فكرية. وقد بدأ الكتابة في الصحافة السعودية باسم مستعار هو ذيبان الشمري»، فدشّن عهدًا جديدًا فى الكتابة السياسية الصحافية . وقد لفت ذيبان الشمري انتباه الكثيرين من المثقفين العرب والسعوديين، الذي باتوا يسألون عن هذا الكاتب، المثقف العميق والغزيز الإنتاج، في متابعته للشأن السياسي الإقليمي والدولي، فيما يخص لبنان، وثورة الخميني، والتحديات التي فرضت نفسها على المنطقة.
كما تميز بتحليلاته الدقيقة والعميقة لأوضاع الاتحاد السوفياتي وتحولاته التاريخية، وهو مجال عُني به واهتم كما لم يهتم به كاتب سعودي آخر.
بدأ ذيبان الشمري الكتابة في صحيفة «المدينة»، التي أفردت له صفحات مطولات للكتابة السياسية، كما أنها كانت تنشر له تعليقات سياسية على صدر صفحتها الأولى، ثم انتقل ذيبان الشمري للكتابة في الصحافة الثقافية بزاوية عنوانها «رحلة الأيام في الصفحة الأخيرة من الصحيفة، وكان يتناول فيها مواضيع ثقافية وفلسفية وأدبية، وقد نشرتُ بعضا منها في الفصل الثالث من الكتاب. أما الفصل الثاني، فقد نشرتُ فيه مختارات من مقالات ذيبان الشمري في الفلسفة والأدب، مما نشرته له صحيفة «المدينة»، ولم أشأ نشر كل ما كتبه في هذه المرحلة من حياته، إنما هي مختارات تنبئ عن فكره وأدبه وفلسفته. وقد حاولتُ الإجابة عن سؤال: لماذا لجأ أحمد الشيباني إلى الكتابة باسم مستعار، وهو العلم الشهير؟
خصصت الفصل الرابع للمقالات أو الردود التي كتبها ذيبان الشمري في معركة «المتنبي»، معركته الأولى في الصحافة السعودية، التي دارت على صفحات ملحق «الأربعاء)، وهي المعركة التي خاضها مع الأديب اليمني أحمد الشامي، وقد طالت زمنًا قارب السنة. ولم أنشر في هذا الفصل الردود التي كتبها أحمد الشامي، لأنها منشورة لوحدها في كتاب: «المتنبي شاعر مكارم الأخلاق»، الذي أشرت إليه أعلاه.
أما الفصل الخامس، فقد ضم المقالات التي كتبها أحمد الشيباني باسمه الصريح، بعد أن تخلى عن اسمه المستعار، في مساجلة مع الدكتور عبدالله الغذامي، على صفحات مُلحق (الأربعاء» حول البنيوية، وقد شارك في الحوار عدد آخر من الكتاب.
جاء الفصل السادس ليوثّق معركته مع الدكتور تركي الحمد حول «هيغل» وفلسفته في التاريخ، وهي معركة دارت رحاها على صفحات جريدة «الرياض»، التي انتقل إليها أحمد الشيباني كاتبا أسبوعيًا. وقد أمضى الشيباني في الكتابة عبر صحيفة «الرياض» نحو ثمانية أعوام، نشر خلالها مئات المقالات في الفلسفة والأدب والفكر وقضايا السياسة والتحولات الدولية، وقد تميز بما كان يكتبه عبرها من تناول للشأن السوفياتي، خاصة بعد تولي الرئيس غورباتشوف الحكم في الاتحاد السوفياتي، والتغيرات التي بدأت تطرأ على الاتحاد، مما أدى إلى تفككه، وهو ما بشر به الشيباني قبل ذلك. وقد ضم الفصل السابع مختارات محددة ومنوعة مما كتبه الشيباني في صحيفة «الرياض»، حيث يصعب نشر مقالاته كاملة، فهي تحتاج إلى أجزاء متتالية تضمها بعد تصنيفها حسب الموضوعات.
كما تضمن هذا الكتاب عرضًا لأهم محاضراته، خاصةً مشاركته الشهيرة في مهرجان الجنادرية في ندوة «الغورباتشوفيّة .. انهيار الماركسية»، والتي شاركه فيها الأستاذ إياد مدني، وغيرها من المحاضرات والندوات في عدد من المدن السعودية.
وكنتُ في أثناء إعدادي لهذا الكتاب على تواصل مع عدد من الزملاء والأصدقاء، ممن ناقشتهم وحاورتهم في عدد من القضايا التي تمس حياة وفكر الشيباني، فلهم مني وافر الشكر والتقدير، وأخص الأستاذ علي العميم، والأستاذ أحمد رضا شيبان من بعلبك، الذي زودني ببعض المعلومات عن نشأة عمه أحمد الشيباني، والأستاذ فاروق عيتاني من بيروت. والشكر موصول للأستاذ يوسف الكويليت، والأستاذ سعد الحميدين، اللذين تحدثا لي عن ذكرياتهم مع الشيباني أثناء كتابته في صحيفة «الرياض».
وقد أمدني عدد من الأصدقاء بعدد من مؤلفات ومترجمات ومقالات أحمد الشيباني، فلهم الشكر الجزيل، وأخص الأستاذ بندر الجاسر، والأستاذ محمد الدوسري، والأستاذ مازن الغيث، والأستاذ محمد الحسيني، والأستاذ محمد خليفة.
وقد وجدت في مكتبة الملك عبدالعزيز العامة بالرياض المكان الذي ضم أغلب مؤلفات أحمد الشيباني ومترجماته، فللزملاء فيها، وعلى رأسهم الدكتور بندر المبارك، وافر الشكر والتقدير».
وهذا الكتاب سلسلة ضمن عدة كتب قيمة أصدرها السيف في ميدان السيرة الغيرية، وهو متاح في المكتبات.