خمسةٌ وتسعون عامًا، والوطن يسير بخطى ثابتة على درب المجد، شامخًا كجباله، راسخًا كصحرائه، نابضًا بالحياة كأوديته. في ذكرى التأسيس، تقف المملكة العربية السعودية أمام العالم قصةً حيّة لا تشبه غيرها؛ قصةُ شعبٍ آمن بأن العزّة ليست في المظاهر، ولا في العناوين المستعارة، بل في الطبع الأصيل الذي لا يتغيّر، وفي الهوية التي لا تتبدّل.
اليوم الوطني ليس احتفالًا عابرًا يطويه الزمن، بل هو محطة وعيٍ واعتزازٍ تُذكّر الأجيال أن التوحيد الذي أرساه الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله- لم يكن مجرد توحيد للأرض والقبائل، بل كان مشروعًا حضاريًا متكاملًا. مشروعٌ بُني على العقيدة، وارتكز على قيم الانتماء، وصنع دولةً تُلهم حاضرها وتبني مستقبلها، حتى غدت اليوم نموذجًا عالميًا يُشاد به في السياسة والاقتصاد والتنمية والمكانة الدينية.
إن شعار هذا العام «عزُّنا بطبعِنا» ليس مجرد عبارة، بل هو خلاصة الهوية السعودية. ففيه يُختصر سرّ النهضة الوطنية؛ هنا يتجلّى الكرم في مبادرات العطاء، وتترسّخ الأصالة في الحفاظ على الجذور، وتنبض العزيمة في مواجهة التحديات، ويزدهر الولاء في التلاحم بين القيادة والشعب. إنها سمات لم تُكتسب من الخارج، بل نبتت من عمق الجزيرة العربية، وتشربتها الأجيال كما تشربت ماءها وهواءها، ثم حملوها على عاتقهم لتكون ميراث عزّة لا ينقطع.
اليوم، تقف المملكة على أعتاب مرحلة تاريخية، وهي تُوازن بين الأصالة والتجديد، وبين الثبات على القيم والجرأة في الإنجاز. لقد تحوّل الوطن إلى نموذجٍ ملهم يختصر معادلة النجاح: ثروة بشرية واعية، قيادة حكيمة، رؤية طموحة. وهو ما جسّدته رؤية السعودية 2030، التي جعلت الإنسان محور التنمية، والهوية الوطنية أساس الاعتزاز، والطموح وقود المستقبل.
وفي يوم الوطن، نحن لا نستعيد الماضي فحسب، بل نؤكد أن الغد ملكٌ لنا. فالسعودية لم تعد مجرد دولة على الخريطة، بل صارت رسالة متجددة للعالم: أن العزّ الحقيقي لا يُشترى، ولا يُمنح، بل يُغرس في الطبع ويُترجم في الفعل.
إن شعار «عزُّنا بطبعِنا» هو عنوانٌ لماضٍ عريق كتب صفحاته الأجداد بدمائهم، وحاضرٍ مزدهر يصنعه أبناء الوطن بجهودهم، ومستقبلٍ وضاء ينتظر الأجيال القادمة. فهو ليس شعارًا لاحتفالٍ عابر، بل ميثاق انتماء وعهد ولاء، تتوارثه الأجيال كما تتوارث القيم التي صنعت المملكة منذ فجرها الأول.
وكما قيل: «الوطن ليس أرضًا نسكنها، بل هو روحٌ تسكن فينا».
وهكذا تبقى المملكة شامخةً بهويتها، متجددةً بإنجازاتها، ثابتةً على قيمها، وراسخةً في قلوب أبنائها؛ وطنٌ لا يعرف الانكسار، بل يعرف كيف يصنع الفخر، وكيف يُصدّر العزّة من طِباعه إلى العالم أجمع.
** **
- فاطمة صالح الغامدي