يمثل اليوم الوطني الخامس والتسعون للمملكة العربية السعودية لحظة فارقة في تاريخ هذا الوطن العظيم، إذ يجتمع السعوديون تحت راية واحدة، متوشحين شعار هذا العام: «عزّنا بطبعنا». وهو شعار يعكس حقيقةً أصيلةً راسخةً في وجدان المجتمع السعودي، فالعزّة ليست أمرًا مكتسبًا فحسب، بل هي جزء من طباعنا التي ورثناها عن الآباء والأجداد، وتجسدت في مسيرة البناء منذ تأسيس المملكة وحتى حاضرها المزدهر.
إن ما نشهده اليوم من نهضة شاملة ما كان ليتحقق لولا توفيق الله، ثم القيادة الحكيمة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، الذي أولى بناء الإنسان السعودي ورعايته جلَّ اهتمامه، فكان حاضرًا في كل التفاصيل، حريصًا على رفعة الوطن وصون هويته. إلى جانب ذلك، جاء سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، برؤيته الطموحة التي اختصرت الزمن، وأطلقت مشاريع غير مسبوقة جعلت المملكة في صدارة المشهد العالمي، لتصبح أيقونة في التنمية، والتحديث، والتخطيط الاستراتيجي طويل المدى.
من أبرز ملامح النهضة الحديثة توجه المملكة نحو العلم والتقنية بوصفهما ركيزة المستقبل. فقد وضعت رؤية السعودية 2030 أساسًا متينًا للاستثمار في البحث العلمي والتطوير، وجعلت من الجامعات السعودية، مثل جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست)، منارات علمية رائدة تسهم في إنتاج المعرفة وتصديرها للعالم.
وفي سياق الذكاء الاصطناعي، أطلقت المملكة الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي التي تهدف إلى جعلها مركزًا عالميًا متقدمًا في هذا المجال بحلول عام 2030. ومع تأسيس الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا)، شهدت الخدمات الحكومية نقلة نوعية عبر حلول رقمية مبتكرة، مثل «توكلنا» و»أبشر»، التي يسرت حياة المواطنين والمقيمين، وأثبتت فاعليتها في أوقات التحديات.
كما استضافت الرياض القمة العالمية للذكاء الاصطناعي، في رسالة واضحة أن المملكة ليست متلقية للتقنية فحسب، بل صانعة ومطورة لها، بما يعزز تنافسيتها في الاقتصاد العالمي ويضعها على خارطة الريادة التقنية.
أما على صعيد العمران، فقد خطت المملكة خطوات جبارة بمشاريع تنموية عملاقة غيرت وجه الحاضر وتستشرف المستقبل. يأتي في طليعتها مشروع نيوم، المدينة الذكية التي تمثل نموذجًا عالميًا للتنمية المستدامة، حيث تمتزج التقنية بالبيئة في صياغة أسلوب حياة جديد. ومن أبرز مكوناتها مشروع ذا لاين، الذي يعيد تعريف مفهوم المدن العصرية، حيث لا سيارات ولا انبعاثات، بل اعتماد على الذكاء الاصطناعي والطاقة النظيفة.
إلى جانب ذلك، برزت مشاريع البحر الأحمر، والقدية، ومشروع بوابة الدرعية، ورؤى مكة والمدينة، وكلها تسعى لتعزيز مكانة المملكة سياحيًا وثقافيًا وروحيًا. هذه المشاريع العملاقة ليست مجرد بنية تحتية، بل روايات وطنية تُحكى بلغة العمارة والفنون، وتُعيد صياغة الهوية السعودية في أبهى صورها.
إن جوهر هذه النهضة يتمحور حول الإنسان السعودي، الذي هو الثروة الحقيقية وهدف كل مشروع وقرار. فبالعلم يُبنى المستقبل، وبالعمران يُرسم الحاضر، وبالقيادة الرشيدة تتجدد الثقة بأن المملكة سائرة في الطريق الصحيح. والشعار «عزّنا بطبعنا» ليس مجرد كلمات، بل واقع نعيشه حين نرى السعودي في مقدمة ميادين البحث والابتكار، وفي مواقع الإنجاز والإبداع.
اليوم، وبعد مرور 95 عامًا من الوحدة والتأسيس، تشرق المملكة على مستقبل مملوء بالفرص، تقوده قيادة حكيمة تنظر للأمام برؤية واضحة. إن الملك سلمان بن عبدالعزيز برعايته، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان بحيويته وجرأته في اتخاذ القرارات، جسّدا معًا طموح أمة، وأشعلا فتيل نهضة شاملة يُشاد بها عالميًا.
وفي هذه المناسبة الوطنية الغالية، نؤكد أن مسيرة التنمية لم ولن تتوقف، وأن المملكة ماضية بخطى واثقة نحو أن تكون نموذجًا عالميًا يجمع بين الأصالة والمعاصرة، وبين الجذور الراسخة والطموحات المتجددة. ستظل السعودية وطن العزّة والفخر، وطن الريادة والعلم والعمران، وطنًا يليق بأهله، ويفخر به كل من ينتمي إليه.
** **
- د. م. فهد بن إبراهيم العمار