محمد العشيوي - «الجزيرة»:
في كل عام، تتجدّد حكاية الوطن على ألسنة فنانيه ومبدعيه، ويُترجم السعوديون عشقهم لأرضهم ومجدهم عبر الألحان والكلمات التي تحمل بصمات العز والفخر، وفي عام 2025، تواصلت المسيرة الغنائية الوطنية بزخم استثنائي، حيث شهدت الساحة الفنية أعمالًا مميّزة ارتبطت بالمجد والعز والفخر للمملكة العربية السعودية، وتظل الأغنية الوطنية في المملكة مرآةً للروح الشعبية وذاكرةً توثق لحظات العزة والكرامة، وفي هذا العام، ازدانت الساحة الغنائية الوطنية بأعمال حملت رسائل سامية، عبّرت عن أصالة الماضي، واعتزاز الحاضر، وبالمستقبل.
منذ يوم التأسيس في فبراير إلى اليوم الوطني 95 في سبتمبر، أبدع الفنانون السعوديون في تقديم أعمال خالدة تكرّس الهوية الوطنية وتبرز مكانة المملكة في وجدان شعبها وأمتها، ويأتي اليوم الوطني في هذا العام تحت شعار (عزنا بطبعنا).
الأغنية الوطنية.. صوت التراث ووجدان الشعب
الأغنية الوطنية السعودية لم تكن يومًا مجرد لحن يُردد في المناسبات، بل امتداد لتراث عريق يعكس قيم المجتمع وموروثه الثقافي، فهي تستلهم ألحانها من الإيقاعات الشعبية المتجذرة في مختلف مناطق المملكة، وتغتني بكلماتٍ تُحاكي وجدان المواطن السعودي. حين يتردّد صوت الفنان في أغنية وطنية، يشعر السعودي بأن التراث ينهض من جديد، وأن العاطفة الجمعية تتجدد بين أبناء الشعب ورايتهم، إنها لحظة تماهٍ بين الماضي والحاضر، حيث يتحول الفن إلى وعاء ينقل مشاعر الفخر والاعتزاز من جيل إلى جيل، ويجسد العلاقة الأبدية بين الوطن وأبنائه.
محمد عبده.. صوت الوطن الذي عبر حدود السعودية
منذ عقود طويلة، ارتبط اسم محمد عبده بالأغنية الوطنية السعودية، حتى أصبح رمزًا فنيًا وثقافيًا يتجاوز حدود الفن إلى وجدان كل مواطن، بصوته الأصيل وأدائه العذب، استطاع أن يحوّل الأغنية الوطنية من عمل مناسباتي عابر إلى حالة وجدانية حيّة تعيش مع الأجيال وتُردّد في كل المحافل، وكان ولا يزال فنانًا يعيد صياغة معنى الانتماء من خلال أعماله الوطنية، أغنياته مثل «فوق هام السحب»، «الله أحد»، وغيرها الكثير إذ تجاوزت أعماله الغنائية الوطنية أكثر من 300 عمل وطن، لتصبح أيقونات في ذاكرة السعوديين، تُغنى في المدارس، في الملاعب، في الاحتفالات الرسمية، وحتى في المناسبات الخاصة، هذه الأعمال كرّست حضوره كأكثر فنان تغنّى بالوطن، ووضعت بصمته في كل لحظة فخر سعودي.
وطني الحبيب.. أيقونة خالدة في الوجدان السعودي
تُعد أغنية (وطني الحبيب) التي قدّمها الراحل طلال مداح إحدى الركائز الأساسية في تاريخ الأغنية الوطنية السعودية، فمنذ صدورها، تحولت إلى نشيد وجداني يرافق السعوديين في احتفالاتهم ومناسباتهم الوطنية، حتى باتت جزءًا من ذاكرة كل جيل، بكلماتها البسيطة والعميقة في آن واحد، ولحنها العاطفي، جسّدا علاقة المواطن بوطنه كحالة عشق وانتماء لا تنتهي، وبفضل هذه الأغنية، رسّخ طلال مداح صورة الأغنية الوطنية كفن أصيل قادر على أن يعيش لعقود، ويظل حاضرًا في المحافل الوطنية.
الأوركسترا والكورال الوطني.. أيقونة موسيقية عالمية
في ساحة الإبداع الفني السعودي، يسطع نجم الأوركسترا والكورال الوطني السعودي كأحد أبرز المشاريع الثقافية التي جمعت بين الأصالة والمعاصرة، فمن خلال مبادرة (روائع الأوركسترا السعودية) التي أطلقتها هيئة الموسيقى، «إحدى هيئات وزارة الثقافة»، وقدّم العازفون والمغنون السعوديون لوحات موسيقية وطنية وتراثية، عززت مكانة الأغنية الوطنية كرمز فني خالد، وجسّدت الهوية السعودية في أبهى صورها.
الأوركسترا الوطنية لم تكتفِ بتقديم مقطوعات موسيقية تقليدية، بل مزجت بين الألحان الوطنية الكلاسيكية والإيقاعات الفلكلورية الشعبية، لتمنح الجمهور تجربة موسيقية متكاملة، ومع انضمام الكورال الوطني، تحوّل الأداء الجماعي إلى سيمفونية منسوجة بدقة، تُوحّد الأصوات في نشيد ولاء يردده كل مواطن.
احتفاء بالهوية وترسيخ للتراث
من (فوق هام السحب) إلى (يا بلادي واصلي) وغيرها من الروائع، أبدعت الأوركسترا في إعادة تقديم الأغاني الوطنية السعودية بصياغة أوركسترالية متطورة، دون أن تفقد أصالتها وروحها الشعبية. هذا المزج الفني منح التراث الغنائي السعودي أفقًا عالميًا جديدًا، وأكد أن الهوية الوطنية قادرة على مواكبة أرقى قوالب الأداء الموسيقي.
لم تكن (روائع الأوركسترا السعودية) مجرد فعالية فنية، بل رسالة حضارية للعالم، فقدّم العازفون السعوديون أعمالًا وطنية إلى جانب مقطوعات عالمية، في لوحة ثقافية تثبت أن السعودية قادرة على أن تكون مركزًا موسيقيًا عالميًا، وأن فنها الوطني يمكن أن يقف شامخًا على أكبر المسارح الدولية بترسيخ مكانة الأغنية الوطنية، وحققت العروض نجاحات دولية في مدن كبرى مثل باريس، لندن، نيويورك، وطوكيو، وأقيمت محطة خاصة في الرياض لتقديم هذه الروائع للجمهور المحلي لأول مرة، وكانت الأغنية الوطنية منار وإشعاع وطني مهيب.
ألحان العزّ ومرايا الفخر.. أجمل الأعمال الوطنية السعودية في 2025
في عام 2025 حمل للأغنية الوطنية السعودية فصلًا جديدًا من الإبداع، حيث أزهرت الحناجر بأصوات الكبار، وامتزجت الكلمات باللحن لتوثّق لحظات العزّة والفخر في وجدان السعوديين. لم تكن الأغاني مجرد أهازيج للاحتفال، بل جاءت أعمالًا خالدة أعادت صياغة الانتماء في قالب فني متفرّد.
ونال الفنان (راشد الماجد) نصيبًا وافرًا من الأغنية الوطنية، وجعل منها لحنًا متجدّدًا يرافق مسيرته الفنية إذ قدم هذا العام مجموعة من الأعمال الوطنية التي تلامس الوجدان من بينها من بينها أغنية (هذا الوطن)، وتعد عمل وطني حديث يكرّس صورة الوطن كبيت العزّة والكرامة، صاغه راشد بروح تليق بالمناسبة.
وطرح أغنية (يا وطنا) بروح عاطفية وطنية يخاطب فيها الوطن بلسان الابن الوفي، وتحمل في سماتها كلمات تحمل الحنين والانتماء، مع لحن يرسّخ الإحساس بالولاء، بالإضافة إلى عمل وطني بعنوان (يحق لي) التي طرحها قبل أيام، بالإضافة إلى عمل (سلمولي عليه) وتعد ذات طابع وطني ووجداني، يبعث فيها الفنان تحية للوطن بصدق العاطفة، والعديد من الأعمال الوطني من بينها (وطن فوق القلب)، (يا درة اهل الأرض).
وكان للفنان (رابح صقر) ذكريات تجاه الأغنية الوطنية وأصبحت أغنية (انت ملك) التي طرحت في العام 2016 واحدة من الأيقونات الوطنية في مسيرته الفنية، وطرح في هذا العام أعمال وطنية من بينها (زين الونية) التي تعبر عن هامة طويق وفي كلماتها ( هامة طويق وذرى نجد العذية .. سيفنا البتار وخزام المعادي)، كما طرح أيضا (وطن عظيم) التي تعد واحدة من الأعمال الوطني التي وثقها.
وكان للفنانة (أصالة نصري) وقفات تجاه الأغنية الوطنية السعودية حيث وثقت عملاً وطنياً حمل عنوان (دام عزك) التي قدمتها في العام 2022 لترافقها في المناسبات الفنية التي تقدمها للجمهور، وفي هذا العام طرحت عملاً وطنياً حمل عنوان (ذبحت رأس الظلم) وفي كلماتها):
ذبحت رأس الظلم يا شامخ الراس
بالعزم فوق الحزم طخيت راسه
اصفيت جوك واهتفت حولك الناس
وأعطيت درس في علوم السياسة
ووثقت الفنانة (نوال) حضور باهي تجاه الأغنية الوطنية إذ كانت أغنية (سعودي) واحدة من الأعمال التي أصبحت ركن ثابت في المناسبات التي تتغنى بها على مسارح المملكة والتي تغنت بها بالعام (2018) لتكرر التجربة بالأعمال وطنية السعودية من نبيها (حب السعوي)، (نسايم الشوق)، (عزومنا عاليه).
في حين طرح الفنان (ماجد المهندس) عملاً وطنياً في هذا العام حمل عنوان (ولد سلمان) وتم إطلاقها بمناسبة اليوم الوطني السعودي لترتبط الأعمال الوطنية في مسيرته، في حين قدم العديد من الأعمال الوطنية التي أصبحت ترتبط في مناسبته مثل (الله يعز الدار)، (همة حتة القمة).
وقدم العديد من النجوم أعمالاً وطنية عاطفية إذ طرح علي بن محمد عملاً وطنياً بعنوان( كلنا لك)، وقدم الفنان (عايض) أغنية وطنية عنوان (صوت الوطن)، وطرح جابر الكاسر عملاً وطنياً بعنوان (خبروا الطامع).
ألحان توحد القلوب.. وتعانق التاريخ
تغنى كبار الفنانين السعوديين والعرب أعمالاً وطنية خالدة مثل محمد عبده وعبادي الجوهر وراشد الماجد، وعبد المجيد عبد الله، وغيرهم أعمال ساهمت في صياغة صورة مشرقة للمملكة في وعي أبنائها، هذه الأعمال لا تُعد مجرد أغان بل باتت جزءًا من الهوية الثقافية السعودية، يتوارثها الجيل الجديد كما يتوارث الأمجاد التاريخية، وساهمت الأغاني الوطنية في تطوير المشهد الموسيقي المحلي من خلال التنويع في الألحان والتوزيعات، والاعتماد على عناصر موسيقية تمزج بين الطابع التراثي والإيقاعات الحديثة، هذا البعد الإبداعي لم يقتصر على الداخل فقط، بل ساعد على تقديم صورة المملكة عالميًا كدولة تهتم بالثقافة والفنون.
لتتجاوز الأغاني الوطنية السعودية حدود الفن لتصبح رسالة ثقافية واجتماعية تعكس روح الشعب وتوثّق مسيرة الوطن، فهي تحمل في طياتها الفخر والاعتزاز والولاء، وتبقى أداة مؤثرة في تعزيز الهوية الوطنية، وصناعة ذاكرة جماعية تتوارثها الأجيال.