يحل اليوم الوطني الخامس والتسعون للمملكة العربية السعودية تحت شعار «عزّنا بطبعنا». وهو شعار يلخص رحلة وطن قام على الأصالة والقيم وامتد عزه من جذور التاريخ إلى آفاق المستقبل، إنها مناسبة وطنية نستحضر فيها معاني الوحدة والتلاحم والفخر بمسيرة بناء كيان عظيم أسسه الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه - على أسس متينة من التكافل والمحبة والإيمان العميق بالله، ليكون هذا الوطن ملاذًا للكرامة الإنسانية وبيئة للعدل والعطاء.
لقد أدرك الملك المؤسس ومعه رجاله المخلصون أن بناء الدولة لا يكتمل إلا ببناء الإنسان، وأن الحياة الكريمة للمواطنين هي أساس قوة أي كيان، ومن هنا قاموا بوضع اللبنات الأولى لدولة حديثة تتسع للجميع وتستند إلى قيم العدل والتكافل والتراحم، وسار أبناؤه الملوك البررة من بعده على هذا النهج فعززوا أركان الدولة ووسعوا آفاقها حتى أضحت المملكة في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان - حفظهما الله - علامة فارقة بين الأمم ورقمًا صعبًا على المستويين الإقليمي والدولي بفضل مكانتها السياسية والاقتصادية والإنسانية.
وإذا كان الشعار لهذا العام «عزّنا بطبعنا» يرمز إلى عمق الهوية الوطنية فإننا نجد صداه واضحًا في مجال العمل الخيري والإنساني الذي أصبح اليوم رافدًا مؤسسيًا من روافد التنمية الوطنية، فحكومتنا الرشيدة لم تدخر جهدًا في دعم هذا القطاع؛ بل أولته عناية خاصة عبر منظومة متكاملة تضمن استدامته واستقلاليته وتحقق أثره الواسع.
وقد جاءت رؤية المملكة 2030 لتؤكد هذه المكانة بأن جعلت للقطاع غير الربحي أولوية وطنية وهدفًا إستراتيجيًا يسعى إلى رفع مساهمته في الناتج المحلي وتمكينه من القيام بدوره كشريك أساسي في مسيرة التنمية، ومن أبرز ما قامت به في هذا الإطار إنشاء المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي ليكون مظلة إشراف وتمكين وتطوير بما يضمن حوكمة العمل الخيري وتنظيمه وتحويله من مبادرات فردية متناثرة إلى مشاريع مؤسسية ذات أثر ملموس.
وفي هذا السياق تبرز جمعية عناية الصحية كنموذج وطني مشرف يجسد شعار اليوم الوطني واقعًا ملموسًا، فقد تمكنت منذ تأسيسها عام 2007م وحتى عام 2024م بعد توفيق الله ثم بدعم حكومتنا الرشيدة من خدمة أكثر من مليون مستفيدٍ بقيمة اقتصادية تجاوزت 880 مليون ريال. كما حصدت 19 جائزة محلية وعالمية ما بين شهادات وجوائز تقديرية، ونالت ثقة الدولة ممثلة في مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية لتصبح رافدًا وطنيًا بارزًا في العمل الصحي الإنساني.
إن دعم حكومتنا الرشيدة لهذا القطاع جعل من العمل الخيري رافدًا أساسيًا من روافد التنمية الوطنية وجزءًا لا يتجزأ من هوية المجتمع السعودي وعزًا متجذرًا في طباعه الأصيلة؛ حيث لم يعد مجرد مبادرات إحسانية عاطفية؛ بل تحول إلى صناعة تنموية قائمة على التخطيط والإدارة والشفافية، ومن هنا برزت الجمعيات الصحية والخيرية كأذرع وطنية تحمل رسالة المملكة إلى الداخل والخارج وتجسد شعار اليوم الوطني في أبهى صوره، عزنا ليس طارئاً أو مكتسباً من غيرنا؛ بل هو عز أصيل بطبعنا وقيمنا التي ورثناها جيلاً بعد جيل.
وفي يوم الوطن نرفع أكف الضراعة أن يحفظ الله بلادنا المباركة وأن يمد قيادتنا الرشيدة بالعون والسداد، وأن يديم على وطننا عزه وأمنه ورخاءه ليبقى دائما «عزّنا بطبعنا» شعارًا نعيشه واقعًا، ونورًا نهتدي به نحو مستقبل أكثر إشراقًا.
** **
- د. عبد الرحمن بن عبد العزيز السويلم