في قلب الجزيرة العربية، حيث الرمال تمتد بلا نهاية، وحيث التاريخ يروي حكايات أمم تعاقبت ثم تلاشت، بزغ فجر جديد في بدايات القرن العشرين، فجر غير مجرى المنطقة والعالم. من هناك، من قلب الصحراء، انطلقت المملكة العربية السعودية لتصبح قصة مجد فريدة، قصة بدأت بتوحيد أرض مترامية الأطراف، حتى أصبحت في مصاف الدول الرائدة على الساحة الدولية.
كانت الجزيرة العربية قبل التوحيد مسرحًا للفوضى، تفتك بها الصراعات القبلية، وفي عام1351هـ (1932م) وبعزيمة الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - طيب الله ثراه - ورجاله الأوفياء تحول هذا الواقع المظلم إلى نهضة متألقة، تحمل راية التوحيد، وتجمع الشتات، وترسي دعائم الدولة السعودية الحديثة وأصبحت المملكة واحة استقرار وسط عالم مضطرب.
ومع بزوغ الدولة بدأت مسيرة البناء، فتأسست المؤسسات، وتوطدت الأنظمة، وعم الأمن، وانتشرت المعرفة، ودخلت البلاد عهدًا جديدًا من التنمية، كان النفط أحد عوامل القوة الاقتصادية، لكنه لم يكن وحده سر النهضة؛ فالقيادة الحكيمة والرؤية الاستراتيجية جعلت من الثروة وسيلة لبناء الإنسان قبل العمران.
من الصحراء انطلقت السعودية، لكن وجهتها لم تقتصر على الصحراء وحدها، بل امتدت إلى العالم بأسره، فأصبحت قلب العالم الإسلامي تضطلع بدور روحي وإنساني لا يضاهيه دور، وعلى الصعيد السياسي رسخت مكانتها كلاعب محوري يسعى للسلام، ويوازن بين القوى، ويدعم قضايا الأمة، ويشارك بفاعلية في المنظمات الدولية.
واليوم، بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان -أيّده الله- تشهد المملكة طفرة نوعية غير مسبوقة، فقد تحولت رؤية 2030 إلى مشروع حضاري ضخم، يفتح أبواب المستقبل، ويجعل من السعودية مركزًا عالميًا في الاقتصاد، والسياحة، والتقنية، والطاقة، والرياضة، والثقافة، وبناء مشاريع عملاقة مثل نيوم، والبحر الأحمر، تجسد طموحًا لا يعرف الحدود، وتؤكد أن السعودية تسير بخطى واثقة نحو العالمية.
لقد صارت المملكة اليوم رمزًا للتحول والنهوض، دولةً ورجالاً عقدوا العزم وأوفوا، وحولوا رمال الصحراء إلى طاقات متجددة تحمل في رسالتها إلى كل العالم أسس الوحدة، والعزة، والإنسان أولًا، فهي نموذج حي على أن المجد لا يُصنع بالصدفة، بل بالعزيمة والإرادة والرؤية الواضحة.
إن مسيرة السعودية من الصحراء إلى العالم ليست مجرد حكاية تاريخية نرويها، بل هي واقع حي نعيشه اليوم، وفخر نتوارثه جيلًا بعد جيل، فالوطن ليس فقط حدودًا جغرافية، بل هو حضارة متجددة، ومشروع مستمر لصناعة المستقبل، وحلمٌ نراه يتحقق أمام أعيننا كل يوم.
وستبقى السعودية - بإذن الله - مسيرة مجد لا تنقطع، رايتها خفاقة، وصوتها مسموعًا، ومكانتها راسخة بين الأمم، من الصحراء إلى العالم، ومن الماضي المجيد إلى المستقبل المشرق.
** **
- طارق بن عطية السلمي