في كل عام يطل علينا اليوم الوطني السعودي حاملاً معه شعورًا متجددًا بالفخر والاعتزاز، وهذا العام يكتسب طعمًا خاصًا تحت شعار «عزّنا بطبعنا». فالمملكة وهي تحتفي بماضيها العريق، تحتفل بحاضرٍ مزدهر ومستقبلٍ يتشكل أمام أعين العالم، في نهضة عمرانية ومدن تنبض بالحياة، وأفق جديد يرتسم فوق سماء الوطن، وناطحات سحاب تصافح ذرى الطموح، وصحراء تلتقي بروح الحداثة والتجديد. إنها قصة تحول غير مسبوق، يقوده خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، أيده الله، وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، حفظه الله، لتصبح البلاد نموذجًا عالميًا في العمران والتنمية.
لقد شهد القطاع العقاري والعمراني السعودي خلال السنوات الأخيرة نقلة نوعية هائلة، جعلت من مدن المملكة نماذج حضرية متكاملة قادرة على استقطاب الاستثمارات العالمية، وتلبية احتياجات المواطنين والمقيمين، وتعزيز جودة الحياة. فبينما كان العمران قبل عقود يقتصر على مساكن تقليدية وبنية تحتية محدودة، فإن المشهد الحالي يعكس قفزة عملاقة تتمثل في مشاريع كبرى ذات طابع عالمي، تشمل مدنًا جديدة وأحياء ذكية وبنية تحتية متطورة.
تبرز هذه النقلة النوعية بوضوح في العاصمة الرياض، التي تتحول إلى مدينة عالمية عبر مشاريع استراتيجية مثل مركز الملك عبدالله المالي، ومشروع الرياض الخضراء لزراعة ملايين الأشجار، والمسار الرياضي، بالإضافة إلى مشروع القدية الترفيهي الضخم. ومن المتوقع أن تتسع الرياض لتستوعب أكثر من 15 مليون نسمة بحلول عام 2030، لتصبح واحدة من أكبر المدن تأثيرًا في المنطقة والعالم.
أما المنطقة الشرقية، التي ارتبطت لعقود بقطاع النفط، فقد أضحت اليوم مركزًا عمرانيًا متنوعًا، يشمل مشاريع إسكانية حديثة، وواجهات بحرية متطورة في الخبر والدمام، ومجمعات صناعية وتجارية تعزز من مكانة المنطقة كمحور اقتصادي متكامل. وفي جدة، أضاف تطوير الكورنيش والمطار الدولي الجديد بعدًا عالميًا للمدينة باعتبارها بوابة الحرمين الشريفين ومركزًا رئيسًا للتجارة عبر البحر الأحمر.
إلى جانب هذه المشاريع، يأتي مشروع نيوم كأحد أضخم المشاريع المستقبلية في العالم باستثمارات تقارب 500 مليار دولار، ليؤسس مدنًا قائمة على الطاقة المتجددة والذكاء الاصطناعي، ومن أبرزها ذا لاين، المدينة الخطية المستدامة الأولى عالميًا. أيضًا يسجل مشروع البحر الأحمر حضورًا عالميًا كوجهة سياحية بيئية تستهدف مليون زائر سنويًا بحلول 2030. أما مشروع الدرعية، فقد أعاد إحياء قلب التاريخ السعودي ليكون مركزًا عالميًا للثقافة والتراث.
وفي مجال النقل، يشكل قطار الحرمين السريع نقلة نوعية في ربط مكة المكرمة بالمدينة المنورة في وقت قياسي، بينما يستعد مترو الرياض بامتداداته التي تتجاوز 170 كيلومترًا و85 محطة ليحدث ثورة في منظومة النقل العام ويحد من الازدحام، ويرفع كفاءة التنقل في العاصمة.
هذه المشاريع العملاقة رافقتها تسهيلات حكومية واسعة لدعم المطورين العقاريين والمستثمرين، من خلال برامج مهمة مثل سكني ووافي وإيجار، التي أسهمت في تنظيم السوق وتعزيز الشفافية ورفع مستوى ثقة المستثمرين. وتشير تقارير وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان إلى أن الاستثمارات العقارية تجاوزت 1.5 تريليون ريال في السنوات الخمس الماضية، مع توقعات بارتفاعها بنسبة 50 % خلال العقد القادم، مدفوعة بالطلب المتزايد على الإسكان والمشاريع التجارية والسياحية.
إن الفارق بين ما كانت عليه المملكة قبل عقود وما تظهر عليه اليوم، ونحن نحتفل باليوم الوطني الـ(95)، يعكس تحولًا شاملًا غير مسبوق. فمن شبكة طرق محدودة إلى بنية تحتية عالمية، ومن مساكن تقليدية إلى أبراج ذكية ومدن مستدامة، ومن اعتماد شبه كامل على النفط إلى اقتصاد متنوع يضع السياحة والعقار ضمن ركائزه الأساسية.
ما نراه الآن عمران عظيم، ورؤية وطنية متكاملة تضع الإنسان في قلب التنمية، وتعكس مكانة المملكة عالميًا. وفي هذه المناسبة الغالية، نجدد الدعاء أن يحفظ الله خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان، حفظهما الله، وأن يديم على وطننا الغالي نعمة الأمن والأمان والرخاء، ليبقى شامخًا بعزّته، ماضيًا بطموحه نحو مستقبل لا يعرف المستحيل.
** **
- م. حامد بن حمري